الخميس، 7 فبراير 2013

موسيقى الشعر - د إبراهيم أنيس


كتاب : موسيقى الشعر .
المؤلف : د . إبراهيم أنيس .

دار النشر : مكتبة الأنجلو المصرية .
سنة النشر : 1952 - الطبعة الثانية .
الصفحات : 319 .
 الفهرسة : مفهرس .
--------------------

---------------------

رابط التحميل
------------------------ 

الشعر والموسيقى

السلام عليكم

إذا كان الشعر وتفعيلاته يعرف بالساكن والمتحرك فإن الإيقاع الموسيقي يعرف بالنقرة القوية (دم) والنقرة الضعيفة (تك) ودائماً يبدأ الميزان الموسيقي بالنقرة الخفيفة (تك) ثم النقرة القوية (دم) كما أن تفاعيل الشعر تبدأ بالمتحرك فالساكن .

وقد اهتم العرب بالموسيقى والغناء كاهتمامهم بالشعر فتطور هذا العلم تطوراً كبيراً خصوصاً في العصر العباسي , وقد بنيت القواعد الإيقاعية على أساس فن العروض وموسيقى الألفاظ العربية.
وقد تطور فن الموسيقى على مرّ العصور وسنأخذ نموذجين للتوضيح :

أ ـ المدرسة المنهجية :

وتنحصر قواعد الميزان الموسيقي في ثمانية مقاطع من التفاعيل العربية هي ( فعولن , فاعلن , متفاعلن , مستفعلن , فاعلاتن , مفاعيلن , مفعولات , مفاعلتن ) وهي مركبة من ثلاثة أقسام هي السبب والوتد والفاصلة وكل منها يتألف من فرعين :
فالسبب ينقسم إلى سبب خفيف تَنْ وسبب ثقيل تَنَ
والوتد ينقسم إلى وتد مجموع تَتَنْ ووتد مفروق تَنْنَ
والفاصلة تنقسم إلى فاصلة صغرى تتركب من سببين ثقيل فخفيف تَنَنَنْ , وفاصلة كبرى تتركب من سبب خفيف فوتد مجموع تَنَنَنُنْ

الميزان المنهجي:
1 ـ الثقيل الأول : وهو مؤلف من وتدين مجموعين وخمسة أسباب ويتمثل في التفعيلات التالية ( مفاعلن مفْتعلن فعِلن )

2 ـ الثقيل الثاني : ويتألف من اربعة أسباب وتفعيلات هذا الميزان مجموعة بـ ( فاعلْ فاعلْ )

3 ـ خفيف الثقيل : ويتألف من ثمانية أسباب أربعة خفاف وأربعة ثقال وتفعيلات هذا الميزان هي ( فاعلتان ف فاعلتان ف )

4 ـ الرمل : وهو مؤلف من ستة أسباب وتفعيلاته هي ( مستفعلْ مستفعلْ )

5 ـ خفيف الرمل : وزمان دوره من أربعة أوتاد ويقابلها في التفعيلات ( مفاعلن مفاعلن )
ويمكن أن يأتي سببين وفاصلتين ( مفْتعلن مفْتعلن )
وهناك ما يسمى بأصل الرمل وزمانه اثنا عشر سبباً ( فاعلتن فاعلتن )

6 ـ الهزج : ويتألف من فاصلة صغرى ووتدين وسبب واحد ( فعِلن مفاعلاتن )

7 ـ المرسل : وهو ضعف ميزان الرمل وتفعيلاته ( فعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلاتن )

8 ـ الفاختي : وزمانه خمسة أسباب وتفعيلاته ونقراته تشبه صياح الفاختة ( نوع من الحمام ) كيكي كيكي (مفْتعلن فعِلن)

ب ـ وفي العصر العباسي كان الميزان الموسيقي يتألف من ثمانية إيقاعات هي:

1 ـ الثقيل الأول ويتألف من ثلاث نقرات متواليات ثم نقرة ساكنة ثم يعود الإيقاع كما بدأ وهو مجموع في كلمة فَعلتُن , ويبدأ كل ميزان بالنقرة الثقيلة (دم)

2 ـ الثقيل الثاني : ويتألف من ثلاث نقرات ثم نقرة ساكنة ثم نقرة متحركة ثم يعود الإيقاع كما بدأ وهو مجموع في كلمة فَعِلّتانِ

3 ـ الماخوري : ويتألف من نقرتين لا يستوعب بينهما زمان نقرة , ونقرة منفردة , وبين وضعة ووضعة زمان نقرة , ومجموع الميزان في كلمة فعلان

4 ـ خفيف الثقيل : ويتألف من ثلاث نقرات متواليات لا يمكن أن يكون بين واحدة منهن زمان نقر , وبين كل ثلاث نقرات زمان نقرة , وهو مجموع في كلمة فعلن

5 ـ الرمل : ويتألف من نقرة منفردة ونقرتين متواليتين لا يتسع بينهما لزمان نقرة , وبين رفعة ووضعة ووضعة ورفعة زمان نقرة , وهو مجموع بكلمة مفعولان

6 ـ خفيف الرمل : ويتألف من ثلاث نقرات متحركات ثم يعود الإيقاع كما بدأ وهو مجموع بكلمة فعولن

7 ـ خفيف الخفيف : ويتألف من نقرتين متواليتين لا يتسع بينهما لزمان نقرة , وبين كل نقرتين ونقرتين زمان نقرة , وهو مجموع بكلمة فعل

8 ـ الهزج : ويتألف من نقرتين متواليتين لا يتسع بينهما لزمان نقرة وبين كل نقرتين ونقرتين زمان نقرتين وهو مجموع في كلمة فعول






وعليكم السلام

شكرا للأستاذة رغداء على طرق هذا الموضوع المهم، والذي يعطي فرصة لبيان إمكانية تعبير الرقمي عن الإيقاع الموسيقي كما عبر عن الإيقاع الشعري. فالأصل أن كل إيقاع قابل للانتقال إلى الإيقاع الآخر. وعلى سبيل المثال، فلو أنك شاهدت رقصة شعبية على التلفاز مع الغناء، فإنك بلا شك ستميز وزن الغناء وهو لو دققت وزن حركات الأيدي والأجسام، فلو أنك خفضت الصوت ونظرت للحركات لربطتها بوزن نفس الصوت الذي كنت تستمع إليه، ومع قليل من التعود ستربط الحركات بالأوزان دون سماع الصوت.

فإذا كان هذا الحال بين الحركة والوزن فمن باب أولى أن يكون الحال ذاته فيما بين الشعر والموسيقى.

معلوماتي في الموسيقى محدودة، ومعظمها مستقى من كتاب أوزان الألحان للدكتور أحمد رجائي. الذي قدمت نبذة عنه على الرابطين :

http://www.geocities.com/alarud/84-music-prosody.html

http://www.arood.com/vb/showthread.p...id=352#post352


وحسب ما فهمته منه فإن هناك في الموسيقى ثلاث أنواع من الأسباب
النقرة القوية = دُمْ = 2
النقرة اللينة = تكْ = 2
السكتة = هُصْ = 2 .( الاسم التقني الذي يستعمله لها أس، واستعملت هص لدلالته على السكوت)
وكل منها تعادل السبب الخفيف =2 من حيث مدتها
والصوت في الموسيقى أربعة أسباب 2222 أو أربعة أرباع كل ربع = 2 وهذا يذكرنا بمنهج الدكتور مستجير في اعتبار أصل التفاعيل السباعية ثمانيا : مافاعيلن مستفعيلن فاعيلاتن.

جاء في كتاب الأسس المنهجية لدراسة نظرية الموسيقى لمؤلفه مجيد مرهون:" تمر الموسيقى عبر الزمن .....والأسماء للقيم الزمنية متعددة، وذلك طبقا للغات الرئيسية في العالم، والتي تستخدم لتحديد القيم الزمنية فهي في اللغة الفرنسية والإيطالية تختلف عن أسماء نفس القيم في الإنجليزية أو الروسية أو الألمانية أو الروسية أو الفارسية أو الهندية، وكذلك الحال بالنسبة للغة العربية، فقد قام مجمع اللغة العربية التابع اساسا لجامعة الدول العربية بوضع التسميات المناسبة للقيم الزمنية للنغم بديلا من التسميات الفرنسية."
وفيما يلي ذكر للتسمية العربية فالعربية المأخوذة من الفرنسية فالرقمية

الستديرة .........روند .........2222
البيضاء......... بلانش ............22
السوداء ......... نوار ............2
ذات السن .........كروتش ...........1
ذات السنين ........دبل كروتش.......1/2
وهكذا يبدو أن الرقمي يقدم بعض الحلول لمشكلة التسميات في الموسيقى شأنه في العروض.

إذا كان الشعر وتفعيلاته يعرف بالساكن والمتحرك فإن الإيقاع الموسيقي يعرف بالنقرة القوية (دم) والنقرة الضعيفة (تك) ودائماً يبدأ الميزان الموسيقي بالنقرة الخفيفة (تك) ثم النقرة القوية (دم) كما أن تفاعيل الشعر تبدأ بالمتحرك فالساكن .
صحيحة هذه الازدواجية، وثمة ازدواجية أخرى أشد شبها بل تطابقا مع العروض وهي أن كل نقرة عبارة عن سبب فكلمة دُمْ هي نفس صوت طرقة الطبل،
دُ = حرف متحرك في العروض = النقرة على الطبل في الموسيقى
مْ = السكون في العروض = الصمت الذي يعقب الطرقة في الموسيقى


وقد اهتم العرب بالموسيقى والغناء كاهتمامهم بالشعر فتطور هذا العلم تطوراً كبيراً خصوصاً في العصر العباسي , وقد بنيت القواعد الإيقاعية على أساس فن العروض وموسيقى الألفاظ العربية.

وتنحصر قواعد الميزان الموسيقي في ثمانية مقاطع من التفاعيل العربية هي ( فعولن , فاعلن , متفاعلن , مستفعلن , فاعلاتن , مفاعيلن , مفعولات , مفاعلتن ) وهي مركبة من ثلاثة أقسام هي السبب والوتد والفاصلة وكل منها يتألف من فرعين :
فالسبب ينقسم إلى سبب خفيف تَنْ وسبب ثقيل تَنَ
والوتد ينقسم إلى وتد مجموع تَتَنْ ووتد مفروق تَنْنَ
والفاصلة تنقسم إلى فاصلة صغرى تتركب من سببين ثقيل فخفيف تَنَنَنْ , وفاصلة كبرى تتركب من سبب خفيف فوتد مجموع تَنَنَنُنْ ( وهي التي يسميها د. خلوف الفاضلة)

وفي العصر العباسي كان الميزان الموسيقي يتألف من ثمانية إيقاعات هي:

1 ـ الثقيل الأول ويتألف من ثلاث نقرات متواليات =111 ثم نقرة ساكنة =ه ثم يعود الإيقاع كما بدأ وهو مجموع في كلمة فَعلتُن , ويبدأ كل ميزان بالنقرة الثقيلة (دم)
111ه = فَعِلَتُنْ = 1 1 3 
2 ـ الثقيل الثاني : ويتألف من ثلاث نقرات= 111ه ثم نقرة ساكنة ثم نقرة متحركة ثم يعود الإيقاع كما بدأ وهو مجموع في كلمة فَعِلّتانِ
111ه1= 1 3 1 = فَعِلانِ =فَعلاتُ ...............فعلّتانِ =3 3 1 
3 ـ الماخوري : ويتألف من نقرتين =11 لا يستوعب بينهما زمان نقرة , ونقرة منفردة = 2 , وبين وضعة ووضعة زمان نقرة = ه, ومجموع الميزان في كلمة فعلان 

= 11 2 ه = 1 3 ه = فعلانْ


يقول الدكتور أحمد رجائي ( أوزان اللحان – ص179) :" التمخير أسلوب في تعديل بنية الإيقاع العروضية تقبله الموسيقى، ينتقل بالإيقاع من الرتابة إلى الانسيابية والتموج، وبعبارة أدق من الموصل ( السبب الخفيف = 2– هذا من عندي) إلى المفصل ( السبب الثقيل =11- من عندي)، أي من الأزمنة المتساوية بين النقرات إلى الأزمنة المتفاضلة. ويضيف الفارابي في شرحه للتمخير بالأسلوب الموسيقي البحت : ( وذلك إنما يكون متى كانت النقرات لا تعقبها وقفات أصلا، لكن تعقبهها حركة أبطأ من أسرع نقلة تمكن من نغمة إلى نغمة، ويكون زمانها أقل من زمان حركة إيقاع يتقدمها وقفه تعقب نقرة.) إن هذا الكلام يعني ببساطة باللغة العروضية إحلال الأوتاد محل الأسباب،وهذا بالضبط ما يسميه موسيقيو عصرنا السنكبة، أي إدخال السنكوب على بنية الإيقاع بدون تغيير مجموع مدته، فتقصر مدة نقرة ما في بداية الجملة ويستعاض عن الزمن المفقود بإطالة مدة النقرة التي تليها. ومن هنا جاء قول الأرموري بأن مجموع وتدين يساوي مجموع ثلاثة أسباب، أي أن بلى بلى =33 تساوي لالالا=222 والمقصود بالتساوي مجموع المدتين الزمنيتين وذها وارد في الموسيقى رغم الاختلاف الواضح في البنية العروضية"
إنتهى النقل.
ربما يفسر كلام الفارابي يفسر حسب العروض الرقمي على الوجه التالي
لا لا لا لا = 2 2 2 2 وهذا هو الموصل
فإذا صار مفصلا صار
= لَلَ لا للَ لا = 11 2 11 2 = (2) 2 (2) 2 بالتقطيع الخببي
= لَ للا لَ للا = 1 3 1 3 بالتقطيع السمعي
فلتقارن هذا ب لا لا لا لا
لَ للا لَ للا ( تكافئ خببيا ) لا لا لا لا
فلعل هذا ما دعاه إلى القول بإحلال الوتد الظاهري للا محل السبب لا
وقد اطلعت في الكتاب في موضع آخر على ما يؤيد هذا الرأي ثم لم أهتد إليه.

4 ـ خفيف الثقيل : ويتألف من ثلاث نقرات متواليات =111 لا يمكن أن يكون بين واحدة منهن زمان نقر , وبين كل ثلاث نقرات زمان نقرة =ه , وهو مجموع في كلمة فعلن
111ه= 31 = فعلنْ
5 ـ الرمل : ويتألف من نقرة منفردة = 2 ونقرتين متواليتين = 11 لا يتسع بينهما لزمان نقرة , وبين رفعة ووضعة ووضعة ورفعة زمان نقرة = ؟؟ , وهو مجموع بكلمة مفعولان

6 ـ خفيف الرمل : ويتألف من ثلاث نقرات متحركات =111 ثم يعود الإيقاع كما بدأ وهو مجموع بكلمة فعولن =3 2
ثلاث نقرات متحركات = 111 = فَعِلُ

7 ـ خفيف الخفيف : ويتألف من نقرتين متواليتين=11 لا يتسع بينهما لزمان نقرة , وبين كل نقرتين ونقرتين زمان نقرة (ه) , وهو مجموع بكلمة فعل
= 11 ه = 1 2 = 3 =فعلْ ـ

8- الهزج : ويتألف من نقرتين متواليتين = 11 لا يتسع بينهما لزمان نقرة وبين كل نقرتين ونقرتين زمان نقرتين= ( ه ه ) وهو مجموع في كلمة فعول

= 1 1 ه ه = 1 2 ه = 3 ه = فعولْ

طبعا هذا مجرد نقل الوصف إلى أرقام. ولست في وضع قول أكثر من ذلك. من شأن مشاركة موسيقي في المنتدى وفهمه في الرقمي أن يجعل التدوين الموسيقي رقمي. الأمر الذي يسهله على القارئ العربي ويوفق بين طريقتي تدوين الكلام واللحن.

وفي رابط كتاب ( ألحان الأوزان) وصلت إلى بدايات نوتة رقمية موسيقية تقوم على إحلال الأرقام محل الرموز على خطوط السلم الموسيق. لا أتوقع أن يكون عملي – وأنا على هذا الجهل بالموسيقى أكثر من إشارة إلى طريق يحتاج من يتقن الموسيقى والعروض الرقمي ليتقدم فيه.
قدم الدكتور أحمد رجائي قائمة بأشكال الإيقاعات العربية وعبر عنها بلغة العروض ومن ذلك بعد نقله إلى الأرقام :

السامري النجدي.... (7َ) 5 ءَ ءَ 5 ءَ = مفتـعِلاتُ.... = 2 1 1 2 1


شعبانية العراقي.... (5َ) 5 5َ ءَ ءَ =مفْتَعِلُ...........(5) = 2 1 1 1 

الخلاص الجزائري.... (6َ) 5 ء ءَ ءَ = مستفعلُ... ..... 1122

ومعذرة لأي خطأ في النقل أو التنسيق.

الصورة الشعرية والموسيقى في الشعر



منهجية تحليل النص الشعري
المقدمة: 

الإطار العام : يتم فيه الحديث بتركيز عن الظروف العامة التي أفرزت الخطاب الشعري الذي تنتمي إليه القصيدة ( خطاب البعث و الإحياء الكلاسيكي أم خطاب التطوير و التجديد الرومانسي أم خطاب المعاصرة و التحديث في الشعر الحر) : التاريخية و الاجتماعية و السياسية الثقافية- الإشارة إلى أهم الخصائص المميزة لهذا الخطاب من حيث الشكل و المضمون و وظيفة الشاعر و امتداداته في المغرب إذا كان النص لشاعر مغربي أما إذا كان لشاعر فلسطيني فتتم الإشارة إلى خصوصيات الشعر الفلسطيني و علاقته بالقضية من خلال أهم شعرائه – الإشارة أهم رواد و شعراء هذا الخطاب في المشرق و المغرب و يتم التركيز على صاحب النص (نشأته و ثقافته و العوامل المؤثرة في تجربته الشعرية و أهم أعماله ) – النص كنموذج لهذا الخطاب مع توثيقه و ذكر مناسبته إن ذكرت أو يستشف من القراءة الأولى للنص

طرح الإشكالية و صياغة عناصرها على شكل أسئلة كبرى تعيد صياغة الأسئلة التي ذيل بها النص

ملاحظة : ينبغي أن يتوفر عنصر الربط بين التقديم وما يليه من مرحلة.

العرض : يتضمن ثلاث مراحل وهي :

- مرحلة ملاحظة النص : ترتبط بالمؤشرات الخارجية في النص:

- شكل النص وهندسته ( البناء ألسطري- حجم الأسطر - البياضات – تنوع القافية و الروي...

- ملاحظة عنوانا النص: مثلا عنوان قصيدة الشاعر محمود درويش "احبك أكثر" فهو عبارة عن جملة فعلية ( ف + فاعل /أنا / الأرض/ فلسطين +مفع / ك/ الشاعر / الفلسطيني + ودائماً ما تخيل درويش انه عصفور على كتف الوطن وعندما تعب ذلك الوطن وجرح همس إليه في أذنه قصيدة احبك أكثر.

- ملاحظة بداية النص ( أسلوب الأمر و وظيفته ) + ملاحظة نهاية النص = بيان العلاقة بين البداية و النهاية < تحديد فرضية النص /قضيته العامة /فكرته المحورية ..

ب - مرحلة الفهم : وهي مرحلة تستطيع من خلالها أن نبرز مدى فهمنا لمضامين النص , ولذلك من خلال عملية تفكيكه إلى وحدات دلالية أو متواليات أو قضايا و أفكار أو صور و مواقف ..يتم تلخيصها و تكتيفها في جمل مركزة تختزل المعنى نركز.

ج - مرحلة التحليل : مرحلة يتم فيها تفكيك النص إلى مكوناته البنيوية فينصب التحليل على العناصر التالية :

1- المعجم والحقول الدلالية و ذلك من خلال ما يلي:

- طبيعةالمعجم من حيث القدم و الجدة و السهولة و التعقيد المباشر و الرمزي مع التمثيل لذلك - تصنيف الكلمات إلى حقول دلالية ) نفسي وجداني – اجتماعي – سياسي – حربي – ديني أخلاقي – طبيعي...)

- تحديد الحقل المهيمن وعلاقته بالموضوعو القضية التي يطرحها الشاعر في القصيدة .

- بيان وظيفة الحقول في النص و علاقتها بالحقل المهيمن و القضية

- الإيقاع ( الموسيقى ): ويقسم إلى نوعين:



الإيقاع الخارجي: تحديد الوزن / البحر وتفعيلاته/ هل احترم الشاعر النظام الخليلي أم تم خرقه /بيان وظيفة البحر و مدى توفق الشاعر في اختياره ليناسب الغرض و الحالة النفسية المعبر عنها.

القافية و الروي: تحليل من حروفها و نوعها ( مقيدة / مطلقة متتابعة /مركبة /مرسلة ) تحديد الروي و طبيعته الصوتية و هل توفق الشاعر في اختياره و هل حافظ على وحدة القافية و الروي أم تم خرق هذا التقليد..

الإيقاع الداخلي: و ذلك من خلال التركيز على ما يلي : 1- التكرار : صوت / كلمة / جملة / بيت / مقطع شعري- التجانس بين الألفاظ – التقسيم و التوازن الصوتي >> بيان دور الموسيقى الداخلية في القصيدة وعلاقتها بالإيقاع النفسي و عاطفة و مشاعر الشاعر ( رقة /حزن /ثورة/غضب ..)

- مكونات الصورة الشعرية ::

ا-الصور البيانية : التشبيه - الاستعارة - المجاز – و الكناية. 

ب- توظيف الرمز ( الأسطورة و التاريخ و الدين و الحكاية الشعبية..). د- بواسطة المحسنات البديعية كالجناس و الطباق و المقابلة و الإيجاز والإطناب ... مع تحليل نماذج من كل هذه الأنواع و بيان وظيفتها في تشكيل الصورة الشعرية في النص ( تعبيرية / جمالية, إيحائية.. ) –

ه- الوسائل و الأساليب التداولية المتوسل بها لإبلاغ الرسالة بواسطة الأسلوب الخبري و أنواعه (ابتدائي أم طلبي أم إنكاري) و أساليب الإنشاء (النداء و الاستفهام و الأمر و النهي و التعجب والقسم و الشرط...).كالضمائر المستعملة في الخطاب و علاقاتها – و طبيعة الأفعال و أزمنتها - و توظيف النعت و الحال و طبيعة الجملة ( اسمية أم فعلية أم رابطية – بسيطة أم مركبة – أنواع الربط بين الجمل و المقاطع ..)- البناء من حيث تفكك القصيدة أو وحدتها الموضوعية أو العضوية ( العمل الشعري و انسجامه ) 

و بيان مظاهر التقليد أو التطوير و التجديد أو المعاصرة و التحديث في كل ما سبق 

بيان دور هذه المكونات في التعبير عن خصائص الخطاب الشعري ورؤية الشاعر إلى الواقع و الحياة و الوجود ( تتم الإشارة إلى الخصائص المكتشفة في النص و تربط بالاتجاه أو المدرسة الشعرية التي ينتمي إليها الشاعر: بعثية إحيائية /رومانسية ( المهجر أبولو /رومانسية مختلفة بحسب الأقطار ( سوريا – تونس- المغرب ..)

ج - الخاتمة : بعد الانتهاء من دراسة هذه المكونات يتم تجميع النتائج المتوصل إليها من أجل تقويم النص و الحكم عليه من خلال الإشارة ما يلي:

- مدى تمثيلية القصيدة للخطاب الشعري الذي تنتمي إليه و مدى عمق أو زيف أو صدق رؤية /الرؤيا الشاعر و مواقفه و مشاعره تجاه الموضوع أو القضية التي تتناولها..

- تقويم تجربة الشاعر انطلاقا من النص من حيث مساهمته في الإفصاح عن خطابه و مساهمته العامة في تطوير الشعر و مقارنته بشعراء ينتمون لنفس الخطاب أو للخطابات الشعرية الأخرى- الحكم على طبيعة الموقف الذي عبر عنه الشاعر ( ثوري ملتزم /انهزامي هروبي ..)-الاشارة الى ظاهرة الغموض في الشعر الحر و رأي النقاد فيها...)

- إمكانية طرح إشكالية جديدة و الاستعانة ببعض الآراء النقدية الأخرى

مثال : للصورة الشعرية ( استخراجها ، وتحليلها ) عند الشعراء :



1ـ قال البارودي: أرْعَى الكَواكِبَ في السماء كأن لي عند النُّجومِ رَهِينِةً لم تُدْفَــــــــــــــــعِ 

زُهْرٌ تَأَلُّقُ بالفضاء كأنهــــــــــــــــا حَبَبٌ تردًدَ في غديرٍ مُتـــــــــــــــــرَعِ

2ـ قال محمد بن إبراهيم: قَريضِي تُوحيه إليً قَرِيحَتِـــــــــــي فأشدوا به شَدْوا به يُخْلَبُ اللُـــــــــبُّ

معانيه لي قد أسْفَرَتْ عن لِثَامِهَـــا ويأتي ذَلُولا منه لِي يسْهُلُ الصعــــبُ 

3ـ قال علال الفاسي: حمامةَ الرَّوْضِ ،قد هَيَّجْتِ أشْجَانِي لَمََّا شَدَوْتِ بلحن منك أبكانــــــــــــي

هل أنت مثلي في وَجْدٍ وفي شَجَـنٍ نَأََيْتِ قبلي عن أَهْلٍِ وجيــــــــــــــرانِ 

هيا نُرَدِّدٌ أهازيجا مُرَوِّعَــــــــــــــة نَعْزِفُ على وَتْرٍ في القلب رَنَّـــــــــانِ

فكل ما هنا يدعو لأغنيــــــــــــــــة أسِيفَـــــة ، من فؤاد مِثْلِ بُرْكَـــــــــانِ 

- ملاحظة الأمثلة:

المثال الأول:في البيت الثاني من المثال نلاحظ الشاعر شبه النجوم في الفضاء بالفقاعات المتلألئة فوق سطح الماء،فشبه صورة النجوم بصورة الفقاعات .

فهذه صورة شعرية شكلتها الكلمات عبر تركيب لغوي، عاطفي ، خيالي، لتصوير معنى عقلي يجمع بين شيئين من خلال علاقة المشابهة ، وقد تكون تجسيدا أو تشخيصا أو تجريدا . وقد جاءت الصورة عبر تشبيه مفرد بمفرد .فهي صورة مفردة

المثال الثاني: بملاحظة المثال الثاني نجد أن الشاعر اعتمد نفس المكونات التي تشكل الصورة وهي اللغة والعاطفة والخيال، فجعل موهبته الشعرية، وهي صورة معنوية، تشبه في وضوحها وجلائها صورة المرأة وهي تظهر محاسن وجهها ، وهي صورة مجسدة، فالصورة جاءت مركبة بين ما هو معنوي وما هو مادي (جسدي)، فجاءت عناصرها متداخلة ، تعكس تجربة الشاعر المعقدة . 

المثال الثالث: الشاعر وظف صورة الحمامة للتعبير عن مجموعة من المعاني التي يعانيها الشاعر :الغربة والوحدة والشجن إلى حد تمازج مشاعره بصورة الحمامة بكل مكوناها فهي إذن صورة شعرية كلية.وجاءت مركبة تجمع بين صورة معنوية مشاعر الشاعر وصورة الحمامة بما تحمله من صفات مادية ومعنوية.

خلاصة عامة:

تعريف الصورة الشعرية:

الصورة الشعرية تركيب لغوي بمكن الشاعر من تصوير معنى عقلي وعاطفي متخيل ليكون المعنى متجليا أمام المتلقي، حتى يتمثله بوضوح ويستمتع بجمالية الصورة التزينية.وتعتمد التجسيد والتشخيص والتجريد والمشابهة 

أنواع الصورة الشعرية :

تتشكل الصورة الشعرية بعدة مستويات:

1ـ الصورة المفردة : وتعتمد التصوير الحسي الموجود بين المتشابهين في الظاهر دون النفاذ إلى المعاني النفسية.

2ـ الصورة المركبة : وتكون عبر تصوير يجمع بين ما هو حسي وما هو نفسي عاطفي تتداخل فيها العناصر.

3ـ الصورة الكلية : وتعتمد على تكثيف كل عناصر الصورة عبر التنسيق بينها في سياق تعبيري واحد، والجمع بين ما هوتجسيدي وما هو نفسي، في تشكيل يعكس تجربة الشاعر. 

مكونات الصورة الشعرية:

تعتمد الصورة الشعرية على ثلاث مكونات أساسية :

مكون اللغة: نسيج الألفاظ في التعبير الشعري يشكل الصورة التي يعبر بها الشاعر عن تجربته، فاللغة هي عماد الصورة الشعرية.

مكون العاطفة: تعتبر العاطفة هي الروح التي تنفخ في اللفظة التي تأخذ القالب النفسي الوجداني لحالة الشاعر.

مكون الخيال: وهو الذي يمكن اللغة والعاطفة من تحديد معالم الصورة فيتفاعل معها المتلقي شكلا ومضمونا .

الموسيقى الشعرية -1

قال الجاحظ : " الشعر شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا" وهو يقرر بذلك أن الشعر تعبير عن الانفعال وتصوير للعاطفة. وقال ابن خلدون : " الشعر هو الكلام المبني على الاستعارة والأوصاف المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي".وقد عرفه كثير من علماء العربية بأنه الكلام الموزون المقفى قصدا بوزن عربي . 

علاقة الموسيقى بالشعر :

إن البحث في مقومات الشعر وخصائصه ذو صلة وثيقة بعلوم كثيرة مثل النحو والصرف والنقد والبلاغة والدراسات الأدبية وغيرها، ولكن الذي يعنينا في هذا المقام هو جانب الموسيقى الذي لا يمكن ضبطه إلا بمعرفة علم العروض وعلم القافية ، وهذه هي موسيقى الوزن أو الموسيقى الظاهرة ، فالأوزان التي تبنى عليها قصائد الشعر تخلق فيها إيقاعا تألفه الفطرة ونغما تلذه الأسماع، إن الصلة قوية بين الشعر والموسيقى لأن كليهما يقوم على الأداء الصوتي ، فالموسيقى عنصر أساسي في الشعر تقوم فيه مقام الألوان في الصورة فتحقق له الإبداع والتأثير حتى قيل ( الشعر موسيقى ذات أفكار) والموسيقى فارق حاسم بين الشعر والنثر.



نوعا الموسيقى الشعرية:



- الموسيقى الخارجية :تتمثل في الوزن والقافية . وهي بمثابة الإطار الفني الذي يجسد تجربة الشاعر ويوافق طبيعتها من حزن وفرح.

- تعريف الوزن الشعري:هو مجموعة التفعيلات التي تسمى بحرا . وبحور الشعر ستة عشر وضعها الفراهيدي والأخفش.

- تعريف القافية في الشعر:هي الكلمة الأخيرة من البيت وحركتها. وقد احتلت مكانا هاما في الشعر حتى نسبت قصائد إلى قوافيها.مثل : لامية الشنفرى وسينية البحتري.



- الموسيقى الداخلية :

1-الموسيقى الداخلية الواضحة: هي التي يمكننا وضع أيدينا على بعض أسبابها متمثلة في المحسنات البديعية كالجناس والطباق.أو عن طريق التجانس بين الكلمات والحروف.

2-الموسيقى الداخلية الخفية: هي التي نحسها فيما تشيعه من جو يتلاءم مع انفعال الشاعر ونوع تجربته بمعنى أنك تحس بعد قراءة النص ما أحسه الشاعر من انفعال سواء أكان حزنا أو فرحا .

وهي التي تمثل شخصية الشاعر وتميزه عن غيره. 

علم العروض

علم بأصول تعرفنا ميزان الشعر ن فيه نميز الشعر من غيره كالسجع ، ونضع الحدود التي تفصل بين بحور الشعر ، وبه نعرف صحيح وزن الشعر العربي من فاسده .

والشاعر الموهوب يستطيع أن ينظم الشعر دون دراية بعلم العروض ، لكنه يحسن أن يأخذ منه قدر حاجته حتى يعصم شاعريته عن الخروج على المألوف .

التفعيلة :مقطع صوتي يشبه المقطع الموسيقي في عدم ارتباط نهايته بنهاية الكلمة. 

صاحب علم العروض: الخليل بن أحمد الفراهيدي . توفي بالبصرة سنة (170هـ) . وقد حصر أوزان الشعر بخمسة عشر وزنا سماها بحور الشعر ثم أضاف تلميذه الأخفش بحرا آخر سماه المتدارك.

الكتابة العروضية

قال علماء الرسم: خطان لا يقاس عليهما خط المصحف العثماني لأنه قد يرتبط بالقراءات القرآنية وخط الكتابة العروضية لأن القاعدة فيها أن كل ما ينطق به يرسم سواء أوافق ذلك القواعد الهجائية أم لا . ويترتب على هذه القاعدة زيادة حروف لم تكن تكتب تبعا لقواعد الهجاء وحذف حروف اقتضت قواعد الهجاء كتابتها.

( توضّح الكتابة العروضيّة للطلاّب)

مثال:الأمّ مدرسةٌ إذا أعددتها_____ الكتابة العروضيّة: ألْ أمْ مُ مَدْ رَ سَ تُنْ

- كيفية الوزن:

يوزن الشعر بأوزان تقوم على إيقاع منتظم أساسه الحركة والسكون.فإذا أردنا وزن بيت من الشعر قابلنا المتحرك بحرف متحرك ، وقابلنا الساكن بحرف ساكن ، والمعتبر عند العروضيين مجرد الحركة بصرف النظر عن كونها فتحة أو كسرة أو ضمة . والميزان العروضي أساسه وحدة التفعيلة سواء أساوت الكلمة أم زادت عنها أم نقصت.وبميزان الشعر تنضبط موسيقاه.

- التقطيع العروضي : تجزئة البيت من الشعر بمقدار التفاعيل وهي الأجزاء التي يوزن بها، بعد قراءته وتأمله لمعرفة البحر الذي جاء عليه بوجه الإجمال. وبالوزن تنضبط موسيقى الشعر ويعرف البحر الذي ينتمي إليه كل بيت منه .

وقد وضع الخليل موازين خاصة للشعر سميت ( التفاعيل) ولكل بحر من بحور الشعر العربي ميزان خاص به يتكون من تكرار تفعيلة واحدة أو أكثر. وهذه التفاعيل هي:

( فاعلن-فعولن- مفاعيلن- مفاعلتن- متفاعلن- مفعولات- فاعلاتن- فاعلاتن- مستفعلن- مستفع لن)

- أجزاء البيت الشعري:

هو كلام يؤلف من تفعيلات على وزن أحد بحور الشعر العربي، وينقسم البيت قسمين متساويين من حيث الموسيقى يعرف كل قسم منهما بالشطر أو بالمصراع . ويطلق على الشطر الأول صدر البيت ، وعلى الشطر الثاني عجز البيت.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
فإذا الشروق أطل من عيني
تهتز أرجاءالفضاء
وأمطرَ على فيئي الممدود
كرامة وشموخاً و إباء
فأنا لست ككل النساء


استاذي الفاضل 
من خلال قرائتي السابقة لمواضيع تخص هذا الجانب
في مرحلة معينه على ما أعتقد منتصف القرن العشرين
تم تصنيف الشعراء إلى تصنيفين لأنها شهدت فترة ركود
وانتشر فيه الشعر المسيس لا أعلم إن كان تعبير صحيح
بمعنى آخر اشتهر الرثاء والمدح لذوي السلطان أقصد طبعا عاشوا
على تراث العثماني
لذا كانت نصوصهم تعتمد على التكلف والتحسين
والمجوعة الثانية هم ممن كانت لديهم ثقافة جديدة واجتهدوا في شمولية الفكر 
مما ساهم في اظهار المشاعر المتعددة
فكان تجديداً وترسيخ للشعر العربي الصحيح
وتتالت الفترات وكل فترة كان لها شعراء ومدارس يحتذا بها
وإن أردنا الحديث عن الشعر الحر أو النثر رغم وجود بعض الفروق بين الاثنين
وهنا سأضيف رأي شخصي ليس إلا
هذا النوع يعطي للشاعر مساحة أكبر من الحرية والانطلاق
دون قيود تقيد الكلمة وتجعل المساحة أشمل للمفردات
مما يجعله أكثر قرباً وسلاسة لكافة الأفراد ناهيك عن خلفيتهم الثقافية 
ولا يخفى عليك كلما زادت المساحة اتساعاً أصبح الإبداع أكثر تجلياً
أعلم تماماً بأن مواضيع كهذه تحتاج للكثير الكثير من الصفحات
لكن أكتفيت بما جاء في ذهني عند قرائتي لهذا الطرح ولا أخفيك
بأني أعدت القراءة لأكثر من مرة لضمان الفائدة المرجوة 
فلك الشكر الجزيل على هذا التفصيل والتوضيح ممتنة لك
دمت بخير تحيتي يصحبها سلاماً يليق بك
ياسمينة الشام 

نعم ما ذكرت صحيح فقد أصاب الشعر الجمود والركاكة في عصر الدولة العثمانية
وانصراف الناس عنها وتهميش اللغة العربية وسيطرت اللغة التركية لذ فقد ضعف
الشعر وطغت عليه المحسنات البديعية من طباق وجناس وسجع وتورية وأصبح
متكلقا يزكز على الشكل لا المعنى كما ذكرت وأصبح الشعر عبارة عن منظر 
وحلية موشاة ومطرزة تفتقر للمعاني ويغلب عليها المحسنات اللفظية والبديعية.
حتى بداية العصر الحديث في القرن العشرين ظهر هناك رواد للشعر أسسوا
مدارس نهضة للشعر ( محمود سامي البارودي ) رائد مدرسة التجديد في
الشعر الحديث ومدرسة أبولو وروادها من لشعراء المحدثين ورابطة شعراء المهجر .

أما بخصوص ما ذكرت من خصائص وسمات للشعر الحروقد ظهر في عام 1945
وله رواده ومؤسيسه مثل السياب ونازك الملائكة ونزار ودرويش وغيرهم واعتمد
على وحدة التفعيلة ولم يعتمد على لوزنن والقافية وهو فعلا يعطي مجالا رحبا
وخيالا ومساحات أكبر للتعبير فالأدب مجاله التعبير وهو تطور حتمي ولا يغلى
لقديم وهو له ابن شرعي ..

مرور زخم أثرى متصفحي بفكرك ورؤييتك وتعقيبك وتساؤلاتك
ومن الأعماق شكر .



موسيقى الشعر


موسيقى الشعر 
العَرُوض
القافية
الإيقاع
تعني موسيقى الشعر مراعاة التَّناسب في أبيات القصيدة بين الإيقاع والوزن، بحيث تتساوى الأبيات في عدد المتحركات والسواكن المتوالية، مساواة تحقق في القصيدة ما عرف بوحدة النغم. وهذه الموسيقى اتخذت معايير متعدّدة. منها مايتَّصل بعروض الشعر وميزانه، ومنها مايتصل بقافيته ورويّه، وهذا يحقّق إيقاع الشعر وموسيقاه.
العَرُوض. أما العروض فهو علم يعرف به صحيح أوزان الشعر وغير صحيحها. وأول من وضع هذا العلم الخليل بن أحمد الفراهيدي في القرن الثاني من الهجرة. ولم يتأثر الخليل فيه بأية أمة من الأمم الأخرى. وكان الشعراء قبل الخليل ينظمون الشعر دون ميزان. انظر: الخليل بن أحمد. وقد جعل الخليل الشعر في خمسة عشر بحرًا هي: الطويل، والمديد، والبسيط، والكامل، والوافر، والخفيف، والرجز، والرمل، والهزج، والمضارع، والسريع، والمنسرح، والمقتضب، والمجتث، والمتقارب. وأضاف عليها الأخفش بحرًا آخر سماه المتدارك؛ إذ استدركه على أستاذه الخليل بن أحمد. انظر: الأخفش، سعيد.
وتنحصر أوزان الشعر العربي في عشرة تفاعيل، ومنها تتركب جميع البحور الستة عشر، والتفاعيل هي: فعولن، مفاعيلن، مفاعلتن، فاع. لاتن، فاعلن، فاعلاتن، مستفعلن، متفاعلن، مفعولات، مستفع. لن. ورغم أن هذه التفاعيل عشرة في الحكم فإنها ثمانية في اللفظ. انظر: العروض.
القافية. جاء في لسان العرب لابن منظور أن القافية من الشعر هي التي تقفو البيت، وسُميت قافية لأنها تقفو البيت. وفي الصحاح لأن بعضها يتبع إثر بعض. قال الخليل بن أحمد: القافية هي من آخر البيت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن، كما في قول امرئ القيس:
كلمع اليدين في حَبِيٍّ مكـلَّل
فالقافية وفق قول الخليل هي (كَلْلَلي) لأن الياء هي آخر ساكن وأول ساكن هو اللام ثم المتحرك الذي قبله هو الكاف.
وقال تلميذه الأخفش: القافية هي آخر كلمة في البيت. إذن، في قول امرئ القيس، القافية هي مكلّل، وفق قول الأخفش.
ومن العروضيين من يقول: إن البيت كله قافية. ومنهم من يقول كذلك: إن القصيدة كُلها قافية. لكن بعض المصنفين الذين يصنفون الأشعار يقولون عن معلقة امرئ القيس مثلاً:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدَّخول فحومل
أن قافيتها لامية. والواقع أن حرف اللام فيها ليس قافية بل هو حرف الروي. وقد كانت القصيدة العربية تنسب لحرف الروي فيها.
أما القافية فهي، وفق قول الخليل بن أحمد، من آخر ساكن في البيت إلى أول ساكن يليه والمتحرك الذي قبله. فتصبح أنماط القوافي خمسة هي: المتكاوس والمتراكب والمتدارك والمتواتر والمترادف.
1- المتكاوس: هو مافيه أربعة أحرف متحركة بين ساكنين مثل:
قد جَبَرَ الدينَ الإلهُ فَجَبَر
¸لاهُفَجَبَرْ• -/ ه ـ ـ ـ ـ ه
2- المتراكب: ما اجتمع فيه ثلاثة أحرف بين ساكنين، نحو قول الشاعر:
ضَنَّتْ بِشيءٍ ما كان يَرْزَؤُهَاْ
¸يَرْزَؤُهَاْ• - / ه ـ ـ ـ ه /.
3- المتدارك: ما اجتمع فيه حرفان بين ساكنين، نحو قول طرفة:
خشاش كرأس الحية المتوقّد
¸متوقْقِدي• - / ه ـ ـ ه /.
4- المتواتر: مافيه متحرك بين ساكنين، نحو قول الشاعر:
لقد زادني مسراك وجدًا على وَجْدِ
¸وَجْدِيْ• ـ ـ ه ـ ـ / ه ـ ه /.
5- المترادف: هو ما اجتمع في قافيته ساكنان نحو قوله:
ماهاج حسَّان رسوم المقام
اجتمع الألف الساكن والميم في المقام.
ويجيء في القافية ستة حروف وست حركات. فالحروف هي: الروي و الوصل و الخروج و الردف والتأسيس و الدخيل.
الروي، هو الحرف الذي تُبنى عليه القصيدة وتُنسب إليه، فيُقال: قصيدة دالية وتائية ولابُد لكُل شعر من روي نحو قوله:
مابالُ عينِك منها الماءُ يَنْسَكِبُ كأنّه من كُلَى مَفْرِيَّةٍ سَرِبُ
فالباء هي الروي.
الوصل يكون بأربعة أحرف هي: الألف والواو والياء والهاء سوا كن يتبعن حرف الروي. فالألف في قوله:
وقولي إن أصبــت لقد أصـابا
فالألف وصل والباء روي.
والواو كقوله:
متى كان الخيـام بذي طلـوح سقيت الغيث أيتها الخيامو
فالواو وصل، والميم روي
والياء كقوله:
هيهات منزلنا بنعـف سويقـة كانت مباركة من الأيَّامِي
فالياء وصل في الأيامي، والميم روي
والهاء الساكنة، كقول ذي الرُّمة:
وقفـتُ على ربع لميّــة ناقـتي فما زلت أبكي حوله وأخاطبه
فالهاء في أخاطبه وصل، والباء روي.
الخروج يكون بثلاثة أحرف وهي: الألف والياء والواو السواكن يتبعن هاء الوصل.
فالألف نحو قول لبيد:
في ليلة كفر النّجوم غمامها
والياء نحو قول أبي النّجم:
تجرّد المجنـون من كســائِهي
والواو نحو قول رؤبة:
وبلــدٍ عاميـــةٍ أعمــــاؤهو
ونلاحظ أن الألف والياء والواو جاءت بعد هاء الوصل في الأبيات الثلاثة.
الرَّدف ألف أو واو أو ياء سواكن قبل حرف الروي معه.
فالألف في قوله:
وبلــد يغتــال خطـــو الخـــاطي
الطاء روي، والألف ردف قبله.
والواو في قوله:
طَحَابِك قلبٌ في الحسَانِ طرُوبُ
الباء روي، والواو ردف قبله.
والياء في قوله:
قد اغتــدى للحاجـــة العســــير
فالرَّاء روي، والياء ردف قبله.
التأسيس يكون بالألف قبل حرف الرويّ بحرف كما في قول ذي الرمة:
بجمهور حُزوى فابكيا في المنازل
فالألف قبل الزاي تأسيس.
والدّخيل هو الحرف الذي بين التأسيس والرّوي، نحو قول لبيد:
بلينا وما تبـلى النجــوم الطوالـــع وتبقى الديارُ بعدنا والمصانع
فالنون دخيل وقع بين ألف التأسيس وبين الرّوي، حرف العين.
الحركات هي: المجرى والنفاذ والحذو والرّس والإشباع والتوجيه.
وأما عيوب القافية فهي: الإ قواء والإكفاء والإيطاء والسّناد الذي على خمسة أنواع هي: سناد التأسيس وسناد الحذو وسناد التوجيه وسناد الإشباع وسناد الرّدف، ثم عيب التضمين والإجازة.
وقد رأى دارسو الشعر أن عدد القوافي ثلاثون قافيةً: منها للمتكاوس واحدة، وأربع للمتراكب، وست للمتدارك، وسبع للمتواتر، واثنتا عشرة قافية للمترادف.
الإيقاع هو الوزن الطبيعي المحسوس في أثناء الرقص والموسيقى واللغة. ففي الرقص، تنبعث الأنماط والأنغام الموسيقية بحركات جَسدية فترات أقصر أو أطول، وبنبرات مُشدَّدة أ و مخفَّفة. وفي الموسيقى، فإن التعايير والأشكال المقفاة التي تنبع من ترتيب الألحان، يتم تنظيمها حسب الوقت والشدَّات. أما في اللغة، فإن القافية هي رفع الأصوات وخفضها حسب المقاطع، والألحان الصوتية، والشدَّات اللفظية والسَكَنات. وتتمثل موسيقى الشعر العربي في بحوره وقوافيه. ويُفَرَّق هنا بين أمرين أولهما الإيقاع العام: ويعني وحدة النغم التي تتكرر على نحو ما في الكلام أو في البيت حين تتوالى المتحركات والسَّواكن بشكل متسق في مقطعين أو أكثر من مقاطع الكلام أو أبيات القصيدة.
هذا اللون من الإيقاع لا يخلو منه النثر ويسمَّى التصريع. أما الإيقاع في الشعر فمداره التفعيلة في البحر العربي، والمقصود من التفعيلة مقابلة الحركات والسكنات فيها بنظائرها في الكلمات في البيت دون أن نفرق بين الحرف الساكن اللين والحرف الساكن الجامد وحرف المد.
خلاصة ذلك أن حركة كل تفعيلة هي وحدة الإيقاع في البيت. أما الوزن فهو مجموع التفعيلات التي يتألَّف منها البيت الذي هو الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية.
وفي موسيقى الشعر، على الشاعر أن يراعي المساواة بين أبيات القصيدة في الإيقاع والوزن، بحيث تتساوى الأبيات في نصيبها من عدد المتحركات والسواكن المتوالية، وهذه المساواة تحقق مانسميه: وحدة النغم.
عُني الشعر العربي منذ القدم بوحدة الإيقاع والوزن وحرص عليها حرصًا شديدًا فالتزمها في أبيات القصيدة كلها، وزاد عليها التزامه قافية واحدة وحرف روي واحدًا، بل التزم بعضهم بأكثر من حرف، كأبي العلاء المعري في لزومياته. وهذا الالتزام مقياسه براعة الشاعر لأنه يزيد من وحدات الإيقاع الصوتية.
وهذه المساواة في وحدات الإيقاع والوزن ليست تامة كل التمام، إذ لو كانت كذلك لأصبحت النغمات رتيبة يملها السمع. إذن فالوزن والإيقاع لا يتفقان كل الاتفاق في أبيات القصيدة الواحدة، فالتفعيلات المكونة للبحور الشعرية تظل واحدة في كل الأبيات ولكن الشاعر حر في نقصها أو تسكين محركها على نحو ما قرره علم العروض في الزحافات والعلل. انظر: الجزء الخاص بالعروض في هذه المقالة. وسبب آخر لعدم الاتفاق التام هو اختلاف حروف الكلمات التي تقابل حروف التفعيلات بعضها ببعض، فهي تتراوح بين حروف ساكنة وحروف مد طويلة وحروف لين. وهذا الاختلاف الصوتي ينوِّع موسيقى الشعر كما ينوِّع معاني الإيحاء الموسيقي في الوزن الواحد. فموسيقى البيت تابعة للمعنى والمعنى يتغيّر من بيت لآخر حسب الفكر والشعور والصورة المعبر عنها.
ومن أهم العوامل التي تؤدّي إلى شيء من التفرع الموسيقي داخل الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية، الإنشاد أو الإلقاء؛ حيث يطول الصوت في بعض الكلمات ويقصر في أخرى ويرتفع تارة وينخفض أخرى. وهذا يعني أننا نقيس في العروض مقاطع الصوت مقياسًا كميِّـًا على حين هنالك مقاييس كيفية لها تأثير فاعل على عدد حروف الكلمات وموسيقاها. فالكلمات وهي مفردة ينطق بمقاطعها على السواء، ولكنها في الجمل عامة وفي الشعر خاصة تقتضي نطقًا يكسبها تنوعاً في موسيقاها حتى ولو كان ذلك في القراءة الصامتة؛ فموسيقى الشعر تظل خاصة من خصائصه همسًا أو إلقاءً. وتظل موسيقى الشعر شديدة الصلة بمعناه، فباختلاف المعنى، تتنوع موسيقى الإنشاد ويتنوع الصوت حسب موقع الكلمة، ويختلف إن كان الأمر استفهامًا أو تعجُّبًا أو إثباتًا أو نفيًا أو أمرًا أو نهيًا أو دعاءً وما إليها. فالوزن والإيقاع متحدان ولا وجود لمقطع صوتي أو تفعيلة مستقلة، بل وجودها متصل بالبيت في معناه وموقعه من الأبيات الأخرى.
حاول بعض الدارسين أن يربط بين موضوع القصيدة والبحر الذي تكتب فيه لإيجاد صلة ما، بين موقف الشاعر في التعبير عن معانيه وعواطفه وبين الإيقاع والوزن اللذين اختارهما لهذه الغاية، وهو أمر لا يثبت عند التمحيص، فالعرب قد نظموا على البحر الواحد مختلف الأغراض.
أما القافية فلها قيمة موسيقية عالية في الشعر العربي، فتكرارها يزيد في وحدة النغم وهي جزء أصيل في تكملة المعنى ولا يمكن الاستغناء عنها، وتكون نهاية طبيعية للبيت الشعري. وقد حاول بعض النقاد الربط بين حروف القوافي وموضوع الشعر، ولكن الأمر يشبه علاقة البحور بموضوعات القصائد، وما يزال للقافية سلطانها في الشعر العربي الحديث.
وقد بدأت الثورة على الوزن والقافية منذ القرن الثالث الهجري حين رأى بعض الشعراء في ذلك قيدًا، وتطلعوا إلى شيء من التجديد. ويمثل الموشح في الأندلس أقوى هذه الثّورات على نظام القصيدة في الأوزان والقوافي.
مدارس الشعر العربي الحديث
مدرسة الإحياء
جماعة الديوان
جماعة أبولو
مدرسة المهجر
جماعة مجلة الشِّـعر
بدأت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بشائر نهضة فنية في الشعر العربي الحديث، وبدأت أول أمرها خافتة ضئيلة، ثم أخذ عودها يقوى ويشتد حتى اكتملت خلال القرن العشرين متبلورة في اتجاهات شعرية حددت مذاهب الشعر العربي الحديث، ورصدت اتجاهاته. وكان لما أطلق عليه النقاد مدارس الشعر أثر كبير في بلورة تلك الاتجاهات التي أسهمت في بعث الشعر العربي من وهدته كما عملت على رفده بدماء جديدة، مستفيدة من التراث العالمي آخذةً ما يوافق القيم والتقاليد. وتعد مدرسة الإحياء والديوان وأبولو والمهجر والرابطة القلمية والعصبة الأندلسية وجماعة مجلة الشعر أشهر هذه المدارس، إذ إنها قدمت الجانب النظري وأتبعته بالجانب العملي التطبيقي؛ فكان نقادها يُنَظِّرُون وشعراؤها يكتبون محتذين تلك الرؤى النقدية. وسنورد هنا كلمة موجزة عن كل مدرسة من هذه المدارس.
مدرسة الإحياء. يمثِّل هذه المدرسة من جيل الرواد محمود سامي البارودي، ثم أحمد شوقي، ومن عاصره أو تلاه مثل: حافظ إبراهيم وأحمد محرم وعزيز أباظة ومحمود غنيم وعلي الجندي وغيرهم.
وهذه المدرسة يتمثّل تجديدها للشعر العربي في أنها احتذت الشِّعر العباسي، إذ تسري في قصائد شعرائه أصداء أبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضيّ. فتجديدها إذن نابع من محاكاة أرفع نماذج الشعر وأرقى رموزه في عصور الازدهار الفني، وبخاصة العصر العباسي.
لا ينبغي تجاهل عنصر الطاقة الذاتية الفذّة التي كانت لدى كل من رائدي هذه المدرسة خاصة، وهما: البارودي وشوقي. لقد قرآ التراث الشعري قراءة تمثل، وتذوقا هذا التراث، وأعانتهما الموهبة الفذّة على إنتاج شعر جديد لم يكن لقارىء الشعر الحديث عهد به من قبل، إذ قبيل اشتهار البارودي عرف الوسط الأدبي شعراء أمثال: علي الليثي، وصفوت الساعاتي، وعبد الله فكري، غلبت على أشعارهم الصنعة اللفظية، واجترار النماذج الفنية في عصور الضعف، والاقتصار على المناسبات الخاصة مثل تهنئة بمولود، أو مداعبة لصديق، هذا إلى مدائح هؤلاء الشعراء للخديوي وغيره، مع افتقار إبداعاتهم الشعرية للتجربة والصدق الفني. لقد ابتعد الشعر العربي إذن، قبل البارودي، عن النماذج الأصيلة في عصور الازدهار، كما افتقد الموهبة الفنية.وبشكل عام، فإن فن الشعر قبل البارودي قد أصيب بالكساد والعقم.
ولقد برزت عوامل شتى أعادت للشعر العربي، على يد البارودي وشوقي، قوته وازدهاره، فإلى جانب عامل الموهبة، فإن مدرسة البعث والإحياء كانت وليدة حركة بعث شامل في الأدب والدين والفكر؛ إذ أخرجت المطابع أمهات كتب الأدب ـ خاصة ـ مثل: الأغاني، ونهج البلاغة، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، كما أخرجت دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، وكان الشيخ محمد عبده قد حقق هذه الكتب وسواها، وجلس لتدريسها لطلاب الأزهر ودار العلوم، فضلاً عن الصحوة الشاملة في شتَّى مرافق الحياة، والاتصال بالثقافة الحديثة وصدور الصحف والمجلات، وانتشار التعليم.
ولقد عبر البارودي عن مأساة نفيه، في أشعاره، بأصدق تجربة وأروع لغة، وترك ديوانًا عده الدارسون بكل المقاييس، البداية الحقيقية لنهضة الشعر، والصورة الجلية لرائد مدرسة الإحياء والبعث.
وإذا كان البارودي قد أعاد للشعر العربي ديباجته، فإن أحمد شوقي، في حدود نزعته التقليدية، قد مضى بما خلفه البارودي أشواطًا بعيدة بمسرحه الشعري وقصصه التعليمي على لسان الحيوان، وقصائده الوطنية والعربية والإسلامية، وبتعبيره الشعري عن أحداث عصره وهمومه. كما كان لثقافته الفرنسية أثر واضح فيما أحدثه من نهضة شعرية تجاوزت الحدود التي وقف البارودي عندها، وكان شوقي قد قرأ كورني وراسين ولافونتين، بل قرأ شكسبير، وتأثر به كثيرا في مسرحه الشعري.
ومع هذا، فإن أحمد شوقي لم يتجاوز النزعة الغنائية، حتى في مسرحه الشعري، وبدا واضحًا أن شوقي قد جعل من المسرح سوق عكاظ عصرية، يتبادل فيها شخوص مسرحياته إلقاء الأشعار في نبرة غنائية واضحة.
جماعة الديوان. أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الكتاب النقدي الذي أصدره عباس محمود العقّاد وإبراهيم عبد القادر المازني (1921م) وشاركهما في تأسيس هذه الجماعة عبد الرحمن شكري. انظر: العقاد، عباس محمود؛ المازني، إبراهيم عبد القادر؛ شكري، عبد الرحمن.
تُعد هذه الجماعة طليعة الجيل الجديد الذي جاء بعد جيل شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران. وكانت الجماعة التي تزعمتها قد تزودت بالمعارف والثقافة الغربية، وقد حرصت هذه الجماعة على أشياء ودعت إليها ، منها:1- الدعوة إلى التعبير عن الذات بتخليص الشعر من صخب الحياة وضجيجها. 2- الدعوة إلى الوحدة العضوية في الشعر بحيث تكون القصيدة عملاً متكاملاً. 3- الدعوة إلى تنويع القوافي والتحرر من قيود القافية الواحدة. 4- العناية بالمعنى والاتجاه التأمُّلي والفلسفي. 5- تصوير جواهر الأشياء والبعد عن مظاهرها. 6- تصوير الطبيعة وسبر أغوارها والتأمُّل فيما وراءها.
والديوان كتاب في النقد، شارك في إخراجه العقاد والمازني، وكان العزم على أن يخرج هذا الكتاب في عشرة أجزاء، غيرأنه لم يخرج منه سوى جزءين. وهو كتاب موجّه نحو نقد القديم، حاول فيه العقاد تحطيم زعامة شوقي الشعرية؛ فهاجم أساليب شوقي، وعاب شعره وشعر حافظ إبراهيم في السياسة والاجتماع، لكون عواطفهما سطحية تقف عند القشور دون اللُّباب، ولكون الشعر الصحيح هو الذي يتعمق وراء القشور ويعبّر عن سرائر الأمة وجوانبها النفسية، لأنها مكْمَنُ المشكلة. وقد هاجم العقاد، في الجزء الأول أيضًا، الصَّحافة ¸التي أقامت لشوقي وزنًا، وجعلت له في كل يوم زَفّة•.
أما الجزء الثاني فقد تصدّى فيه المازني للمنفلوطي وحاول أيضًا تحطيمه واسمًا أدبه بالضَّعف، ووصمه بكل قبيح، واتهمه بأنه يتجه في أدبه اتجاه التّخنُّث.
وتجاوب مع تيار العقاد والمازني، ميخائيل نعيمة رائد التجديد في الأدب المهجري، وأخرج، بعد عامين، كتابه النَّقدي الغربال (1923م). ومضى فيه على طريقة المازني والعقاد في الهجوم على القديم والدعوة إلى الانعتاق منه.
لم يكتب لهذه الجماعة الاستمرار، ولو كتب لها ذلك لكان من الممكن أن يكون تأثيرها عميقًا على الحركة الأدبية. ولكن دبّ الخلاف بين اثنين من مؤسسيها، المازني وشكري، حين اتّهم المازني شكريًّا بأنه سرق عددًا من قصائد الشعر الإنجليزي وضمنها بعض دواوينه، وقد كشف المازني هذه القصائد وحدد مصادرها، فما كان من شكري إلا التصدي للمازني في كتابه صنم الألاعيب. واحتدم الصّراع بينهما، فاعتزل شكري الأدب ثم تلاه المازني، وبقي العقاد في الديوان وحده. ثم إن العقاد نفسه رجع عن كثير من أفكاره، خاصة تلك المتعلقة بعمود الشعر، وذكر أنه أمضى في التيار الجديد نحوًا من ثلاثين سنة، ومع ذلك، فإن أذنه لم تألف موسيقى الشعر الجديد وإيقاعه.
جماعة أبولو. اسم لحركة شعرية انبثقت من الصراع الدائر بين أنصار المدرسة التقليدية وحركة الديوان والنزعة الرومانسية، لتتبلور عام 1932م بريادة الشاعر أحمد زكي أبي شادي، انظر : أبو شادي، أحمد زكي، في حركة قائمة بذاتها متخذة من أبولو إله الفنون والعلوم والإلهام في الأساطير اليونانية اسمًا لها.
لم يكن لجماعة أبولو مذهب شعري بعينه، كما كان لحركة الديوان، التي انتمت للحركة الرومانسية ضد الاتجاه الكلاسيكي في الشعر. ولم يكتبْ لها بيان شعري يحدد نظرتها إلى الإبداع وقضاياه المتفرقة، من أسلوب ومضمون وشكل وفكر... إلخ. بل اكتفى أبوشادي بتقديم دستور إداري للجماعة، يحدد الأهداف العامة لها من السمو بالشعر العربي، وتوجيه جهود الشعراء في هذا الاتجاه، والرقي بمستوى الشعراء فنيًا واجتماعيًا وماديًا، ودعم النهضة الشعرية والسير بها قدما إلى الأمام.
انتخبت الجماعة أمير الشعراء أحمد شوقي أول رئيس لها. وبعد وفاته بعام واحد، تلاه خليل مطران، ثم أحمد زكي أبوشادي. واستمرت الحركة من (1932- 1936م). وكان لها مجلة دورية، مجلة أبولو التي توقفت (1934م)، تعد وثيقة أدبية وتاريخية وفكرية لهذه الجماعة التي نازعت حركة الديوان سيطرتها، وحّلت محّلها، فأنتجت جيلاً شعريًا ينتمي إلى الاتجاه الرومانسي بحق، من أمثال: إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، ومحمد عبدالمعطي الهمشري وغيرهم.
وكان أثر مطران على الجماعة بارزًا، باعتراف محمد مندور وقولة إبراهيم ناجي المشهورة: (كلنا أصابتنا الحمى المطرانية). ويقصد بها نزعته التجديدية في الشعر وطابعه الذاتي الرومانسي.
ورغم أن هذه الحركة الشعرية لم تُعَمَّر طويلاً، إلا أنها تركت أصداءها في العالم العربي، وراسلها العديد من الشعراء والنقاد، أمثال: أبي القاسم الشابي، وآل المعلوف، ومن بينهم عيسى إسكندر وشفيق ابنه صاحب عبقر. كما نرى هذه الأصداء في بعض نتاج شعراء الحجاز أمثال: محمد حسن عواد وحسين سرحان. كما تجاوب معها ميخائيل نعيمة رائد حركة التجديد في المهجر، وقد نص على تجاوبه معها في مقدمة ديوانه الغربال.
اتسمت حركة جماعة أبولو، بأنها عمّقت الاتجاه الوجداني للشعر، وانفتحت على التراث الشعري الغربي بوساطة الترجمة من الشعر الأوروبي، ودعت إلى تعميق المضامين الشعرية واستلهام التراث بشكل مبدع، واستخدام الأسطورة والأساليب المتطورة للقصيدة، ولفتت الأنظار إلى تجريب أشكال جديدة للشعر المرسل والحر. كما التفتت إلى الإبداع في الأجناس الشعرية غير الغنائية لاسيما عند أبي شادي، ومهدت الطريق لظهور مجلة وحركة أخرى هي حركة مجلة الشعر في بيروت (1957م).
بالإضافة إلى ماتركه لنا شعراء هذه الجماعة من دواوين ومجموعات شعرية، تبدو فيها النزعة الرومانسية هي الأقوى مضموناً وشكلاً وانفعالاً، فإن مجلة أبولو التي كانت تنشر على الملأ قصائدهم وأفكارهم، كانت المنبر الذي التفّ حوله الشعراء من العواصم العربية والمنارة التي نشرت إشعاعاتهم. انظر: الشعر (مدارس الشعر).
ومجلة أبولو تعد وثيقة فنية تاريخية فكرية لهذه الحركة، التي لم تعمّر طويلاً، لكنها شعريًا كانت أكثر تأثيرًا من حركة الديوان التي عاقتها عن النمو الشعري هيمنة العقاد مُنظِّرًا وقائدًا، وارتبطت إنجازاتها بالنقد أكثر مما ارتبطت بالشعر، وغرَّبت عنها عبدالرحمن شكري الذي ينسجم شعره مع شعر الجيل الثاني لحركة أبولو.
وبرز دور الشاعر بوصفه فنانًا في حركة أبولو، كما برزت أهمية التجربة النفسية والوجدانية في عملية الإبداع الشعري لا محاكاة نماذج القدماء. وتحوّلت قضايا الشعر من قضايا المجتمع إلى قضايا الذات، واستكشف بعض شعراء الجماعة لغة شعرية جديدة متماسكة أكثر صفاءً ونقاءً من شعر التقليديين وأغراضهم الشعرية الموروثة.
مدرسة المهجر. بدأ آلاف المهاجرين العرب من الشام (سوريا ولبنان وفلسطين) مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي رحلتهم الطويلة إلى بلاد المهجر (أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية)؛ لأسباب اقتصادية وسياسية في المقام الأول. فقد كانت بلاد الشام ولاية عثمانية تتعرض لما تتعرض له الولايات العربية الأخرى تحت الحكم التركي من تعسّف الحكّام وسوء الإدارة. وأما من كانوا يعارضون سياسة التتريك العثمانية، ويجاهدون للإبقاء على الهوية العربية، فنصيبهم الاضطهاد والمعتقلات.
وقد ازدادت الأوضاع السياسية سوءًا عندما قرَّرت الدول الأوروبية الكبرى مواجهة الدولة العثمانية، واقتسام أملاكها شيئًا فشيئًا، فانحازت كل دولة إلى فرقة أو طائفة على حساب أمن الشام واستقراره. فاشتعلت الفتن الطائفية والدينية وحدثت مذابح كثيرة، وساءت الأحوال الاقتصادية في بلاد كثيرة السكان ضيِّقة المساحة، وهلكت المحاصيل الزراعية بالأوبئة والحشرات، إضافة إلى ارتفاع الضرائب المفروضة على المزارعين وأصحاب المتاجر الصغيرة. وهكذا فكر عدد كبير من السكان بالهجرة، وتطلعت أبصارهم إلى الغرب وإلى الأمريكتين بخاصة، فقد سمعوا عنها وعما تتمتع به من ثراء وحضارة وحرية، وذلك من خلال جمعيات التنصير ومدارسه التي تعلم فيها بعض منهم. وقد شجعهم ذلك على الهجرة عن بلادهم وأهليهم، علهم يطمئنون على أرواحهم وأنفسهم ويصيبون شيئًا من الثراء في جو يسوده الأمان والحرية والرخاء.
انقسمت قوافل المهاجرين إلى العالم الجديد إلى قسمين؛ قسم قصد الولايات المتحدة الأمريكية واستقر في الولايات الشرقية والشمالية الشرقية منها، وتوجه القسم الآخر إلى أمريكا الجنوبية وبخاصة البرازيل والأرجنتين والمكسيك.
وجد المهاجرون عناءً وتعبًا، فلم يكن الحصول على لقمة العيش سهلاً، كما ظنوه وكما زُيّن لهم، ولكنهم وجدوا في بيئتهم الجديدة من الحرية ما ساعدهم على ممارسة إبداعهم الأدبي، كما أن شعورهم بالغربة وحنينهم إلى الوطن البعيد، وخوفهم على لغتهم وهويتهم العربية من الضياع، في مجتمعات يبدو كل شيء فيها غريبًا عنهم، جعلهم يلتفون حول بعضهم بعضًا، ودفعهم إلى تأسيس الجمعيات والأندية والصحف والمجلات؛ يلتقون فيها ويمارسون من خلالها أنشطتهم، وظهر من بينهم الشعراء والأدباء الذين نشأت بهم مدرسة عربية أدبية مهمة هناك، سميت بمدرسة المهجر، أسهمت مساهمة مقدرة في نهضة الأدب العربي الحديث. وقد انقسمت مدرسة المهجر إلى مدرستين هما:
الرابطة القلمية إحدى الجمعيات الأدبية التي أسسها مهاجرو الشام في أمريكا الشمالية في نيويورك (1920م)، وكان الشاعر جبران خليل جبران، وراء فكرة تأسيسها، فترأسها وأصبح أبرز أعضائها. وقد ضمّت الرابطة إلى جانب جبران كلاً من الأدباء: ندرة حداد، وعبد المسيح حداد، ونسيب عريضة، ورشيد أيوب، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، ووليم كاتسفليس، ووديع باحوط، وإيليا عطاء الله.
استمر نشاط الرابطة الأدبي عشرة أعوام، وكان أعضاؤها ينشرون نتاجهم الأدبي في مجلة الفنون التي أسَّسها نسيب عريضة، ثم في مجلة السائح لعبد المسيح حداد. وقد توقف هذا النشاط بوفاة جبران وتَفَرُّقِ أعضائها؛ إما بالوفاة وإمَّا بالعودة إلى الوطن.
كان هدف الرابطة القلمية هو بث روح التجديد في الأدب العربي شعرًا ونثرًا، ومحاربة التقليد، وتعميق صلة الأدب بالحياة وجعل التجربة الكتابية تنفتح على آفاق أوسع مما كانت تدور حول فلكه من النماذج القديمة في الأدب العربي.
ويبدو أن أدباء الرابطة القلمية قد حققوا الكثير من أهدافهم، وقد ساعدهم على ذلك ما كان يجمع بين أعضائها من تآلف وتشابه في الميول والاهتمامات، إضافة إلى المناخ الحر الذي كانوا يتنفسون أريجه، وما كان يعج به من أحدث التيارات الفكرية والاتجاهات الأدبية آنذاك.
العصبة الأندلسية تأسست عام 1932م في ساو باولو بالبرازيل، ولعل السبب في هذه التسمية هو الجو الأسباني الذي يطبع الحياة العامة في أمريكا الجنوبية، وكأنه قد أثار كَوَامنَ الشجن في نفوس هؤلاء المهاجرين وأعادهم إلى ذكريات العرب أيام مجدهم بالأندلس. تبنَّى الشاعر شكرالله الجرّ فكرة التأسيس، فاجتمع عدد من الشعراء والمهتمين في منزل ميشيل المعلوف لهذا الغرض، وحضر الاجتماع الأعضاء المؤسسون وهم: شكرالله الجر، ميشيل المعلوف، نظير زيتون، حبيب مسعود، إسكندر كرباح، نصر سمعان، داود شكور، يوسف البعيني، حسني غراب، يوسف أسعد غانم، أنطون سليم سعد، ثم انضم إليهم فيما بعد عدد من الشعراء والكتاب. وتولى رئاستها ميشيل المعلوف. وظل أعضاؤها ينشرون إنتاجهم الأدبي في مجلة الأندلس الجديدة لصاحبها شكرالله الجر لمدة عام، ثم صدر العدد الأول من مجلة العصبة الأندلسية، عام 1934م، وتولى حبيب مسعود رئاسة تحريرها. وقد استمرت هذه المجلة في الصدور حتى عام 1960م، وتخلل ذلك فترة انقطاع من عام 1941م إلى عام 1947م.
لا تختلف أهداف إنشاء العصبة الأندلسية عن أهداف الرابطة القلمية كثيرًا، فهناك رغبة مشتركة في الحفاظ على اللغة العربية، وبث روح التآخي والتآزر بين الأدباء في المهجر، وجمع شملهم، ورعايتهم، وتسهيل نشر إنتاجهم في المجلة أو من خلال المجموعات والدواوين الشعرية، وإقامة جسر حي بين هذا الأدب ونظيره في الوطن العربي الكبير، خصوصًا بعد توقف نشاط الرابطة القلمية. غير أن تواضع البيئة الثقافية التي عاش فيها أدباء المهجر الجنوبي وعدم وجود شخصية مثل شخصية جبران بينهم، ووجود تباين في ثقافة أعضائها ونزعاتهم واهتماماتهم وانتماءاتهم الفكرية والوطنية، وتبني سياسة مرنة في النشر في المجلة؛ جعل أدب المهجر الجنوبي، فيما عدا استثناءات قليلة، أدبًا تقليديًا مقارنة بأدب المهجر الشمالي، وقد عاب أدباء الشمال هذه التقليدية على أدباء الجنوب.
وأيًا كان الحال، فإن الأدب العربي في المهجر الشمالي والجنوبي، بثرائه، واتساع آفاقه؛ نتيجة تفرد تجربته وظروف مُبْدِعِيهِ، يظل جزءًا مهمًّا وفاعلاً في دائرة الإبداع الأدبي المعاصر.
جماعة مجلة الشِّـعر. حركة شعرية نقدية تبلورت في مجلة الشعر التي تأسست في بيروت عام 1957م، بريادة كل من يوسف الخال وخليل حاوي ونذير العظمة وأدونيس، وصدر العدد الأول منها في صيف 1957م. وترك خليل حاوي الجماعة بعد عام من تأسيسها. وبعد مرحلة التأسيس التي استمرت ثلاث سنوات، انضم إليها شوقي أبو شقرا وأنسي الحاج وفؤاد رفقة وخالد صالح، ودعمها من الخارج جبرا إبراهيم جبرا، وتوفيق صايغ وبدر شاكر السياب وشكرالله الجر، وسلمى خضراء الجيوسي ورياض الريِّس.
اعتبرت مجلة الشعر نفسها منبرًا للإبداع والحرية في المنطقة العربية كلها، فنشر فيها نزار قباني وبدوي الجبل وسعدي يوسف وعبدالوهاب البياتي وآخرون. وتبلور اتجاه المجلة مع الزمن تدريجيًا حول الحداثة، فنافح أعضاؤها عن حرية الإبداع والتخلص من رواسب التقليد، فتبنّوا أشكال القصيدة العربية الجديدة من الشعر الحر إلى قصيدة النثر، ودعوا كل مبدعٍ إلى اكتشاف لغته الشعرية وإيقاعه وشكله، انطلاقًا من تجربته ومعاناته الشعرية، لا من محاكاة النماذج الموروثة الجاهزة.
عمق رواد هذه المجلة أيضًا مضامين القصيدة الحديثة، وتوصلوا إلى أشكال شعرية وأساليب أكثر اتصالاً بالحاضر وإيقاعه. فلكل قصيدة في مفهومهم رؤية ومعاناة خاصتان. وتبلور هذه الرؤى وتلك المعاناة شكل القصيدة ولغتها وموسيقاها. كما نظروا إلى التراث الشعري الإنساني نظرة إكبار، وتفاعلوا مع مصادره ونتاجه من خلال ترجماته والرجوع إلى نصوصه الأصلية.
ثار أصحاب هذه الجماعة أيضًا على بنية القصائد المحافظة وشكلها ومضمونها ووزنها، فجاءوا بابتكارات جديدة، فانشطر المهتمون بالشعر إلى مؤيدين للجماعة ومعارضين لها. كما أكدوا على مسؤولية الشاعر الحضارية أمام ضميره ووجدانه وانتمائه إلى الإبداع والحرية قبل كل شيء. ووسعوا مفهوم الشاعر المعاصر للتراث فشمل كلّ النتاج الحضاري من سومر إلى العرب. ودعوا إلى العودة إلى الجذور واكتشاف التراث والهوية الحضارية من خلال المعاناة الشعرية والتجربة الذاتية، واحتفلوا بالأساطير القديمة وبدائلها الفولكلورية والدينية في الكتب المقدسة، وتفاعلوا مع مفهوم الحداثة العالمي والشعر الجديد، ونقلوا الشعر من الواقع اليومي، إلى السياق الحضاري والإنساني؛ فتبلورت على أيديهم اتجاهات جديدة، لاسيما المدرسة التموزية، التي نهلت من الأساطير القديمة، واتخذت من رموزها مايجسد معاناة العربي المعاصرة في الحياة والموت، وقدموا صياغات جديدة للقصيدة الحرة والمدورة وقصيدة النثر في إطار مفهومهم المتميز للمعاناة النفسية والإبداع الشعري.
وكان للجماعة بجانب مجلة الشعر الدورية التي تختص بالإبداع والنقد والترجمة، مجلس أسبوعي مفتوح للجمهور تُعرض فيه النماذج الشعرية الجديدة، لشعراء المجلة وضيوفها، وتناقش فيه القضايا الفكرية والنقدية، قضايا الشعر العالمي والعربي، حتى تتواصل الرؤى النقدية بحركة الشعر المعاصر.
صدرت المجلة لمدة أربعة عشر عاما، وتوقفت، ثم استأنفت الصدور مرة أخرى. ولكنها مع مرور الزمن فقدت حيويتها الأولى، بعد أن أدّت وظيفتها الإبداعية في حركة الشعر الحديث. وأخيرًا توقفت نهائيًا أوائل سبعينيات القرن العشرين الميلادي.
تركت جماعة مجلة الشعر صدى مازلنا نسمعه في عالم الإبداع حتى اليوم؛ لأنها أول حركة تسّلحت بوضوح المفهوم والرؤية والانتماء والاختصاص وتنّوع الشخصيات الشعرية التي دعمتها رغم خصوماتها الكثيرة بين التجديديين والتقليديين، مما كان سببًا في بقائها خمسة عشر عامًا حيث تركت بصماتها واضحة على حركة الشعر الحديث.
وترى جماعة من النقاد والمهتمين بالأدب أن جماعة مجلة الشعر ذات انتماء غربي، وأنها راعية الحداثة في الساحة العربية، وأن ثورتها على الموروث لم تقتصر على شكل القصيدة بل تعدتها إلى نبذ الموروث في المضمون، فدعا بعضهم إلى نبذ التراث وتحطيم كل ماهو مقدس، وجاهروا بذلك صراحة في نثرهم وشعرهم وسلطوا الأضواء على نماذج ورموز من التراث فيها نظر، كالحلاج والقرامطة وغيرهم.
الشعر الغربي
أنواعه
عناصره
المرثية أو الإليجا
القصيدة الغنائية
أنواعه. يُقسَّم الشعر الغربي إلى ثلاثة أنواع رئيسية هي: الشعر الغنائي والشعر القصصي، والشعر المسرحي. والأول هو أكثر هذه الأنواع شيوعًا، ويشمل ألوانًا عديدة، منها القصيدة الغنائية (الأود)، ومنها المرثية والسوناتة، ومنها الهيكو ذات الأصل الياباني، التي تعدُّ أقصر الأشكال الغنائية، إذ تتألف القصيدة من سبعة عشر مقطعًا.
وفي الشعر القصصي، يتميز نوعان رئيسيان. أولهما الملحمة، وهي نوع يروي عادة حكاية الأبطال، أو قصص الصراع بين الإنسان وقوى الطبيعة. ومن أشهر الملاحم الإلياذة و الأوديسة اللتان يعزى تأليفهما للشاعر الإغريقي هوميروس. والنوع الثاني من الشعر القصصي هو القصيدة القصصية التي تروي قصصا قصيرة، ويركز كل منهما على شخصية معينة.
وقــد استـُـخدم الشـعر في كتابة المسرحيات الإغريقية القديمــة وفــي مســرح عصــر النهضة في أوروبا، كما هو الحال في مسرحيات وليم شكسبير. ومن فنون الشعر المسرحي أيضًا المونولوج المسرحي، وهو قصيدة على لسان شخصية واحدة.
عناصره. من أهم عناصر الشعر الغربي الوزن والإيقاع. والمقصود بالوزن النسق الذي يسير عليه الإيقاع في قصيدة معينة، أما الإيقاع فهو الانسياب مع التكرار. وكثيرًا ما يخرج الشاعر عن الوزن بتغيير الإيقاع في بيت من الأبيات، كما يستغني معظم الشعر الغربي الحديث أحيانًا عن الوزن استغناءً تامًا.
ويختلف الوزن باختلاف اللغة التي يستخدمها الشاعر، ففي الإغريقية القديمة، مثلاً، يعتمد الوزن على الصوائت الطويلة والقصيرة، بينما يعتمد في الشعر الإنجليزي على أحد عوامل ثلاثة: أولها عدد مقاطع الكلمات، إذ يكرر الشاعر العدد نفسه في كل بيت، أو تقسم القصيدة إلى مجموعات من الأبيات، فتتبع كل مجموعة المنوال نفسه، أي يتماثل عدد المقاطع في البيت الأول من كل مجموعة، ثم في البيت الثاني وهكذا. والعامل الثاني في وزن الشعر الإنجليزي هو عدد المقاطع المنبورة في البيت الواحد، أو في مجموعة الأبيات. أما العامل الثالث فهو عدد التفعيلات. وبما أن التفعيلة الواحدة تتكون من عدد محدد من المقاطع المنبورة والمقاطع غير المنبورة، فمــن الواضح أن هذا العامل الثالث يجمع العاملين الأولين معـًـا. وأكثر التفعيلات استعمالاً في الشعر الإنجليزي العمبقي خماسي التفاعيل.
العنصر الثاني في الشعر هو الأصوات. وتُعتبر القافية أبسط العوامل الصوتية التي تكوِّن الموسيقى الشعرية. وبسبب طبيعة معظم اللغات الغربية، قلما تستخدم قافية واحدة في القصيدة، وإنما تتعدد القوافي، وكثيرًا ما ترد وفق نسق معين يطلق عليه اسم خطة القافية، فخطة القافية (أ أب ب أ)، مثلاً، تدل على مجموعة من خمسة أبيات، يتبع الأول والثاني والخامس منها القافية نفسها (أ)، بينما يتبع الثالث والرابع قافية أخرى (ب).
ومن الوسائل الصوتية الأخرى التي يستخدمها الشعراء تكرار الأصوات في أوائل الكلمات، أو في أواخرها أو تكرار الصوائت في وسطها.
والعنصر الشعري الثالث هو الصور، وهي إما صور حسية، وإما صور تتولد من المقارنة التي تكون عادة بين شيئين ليس بينهما تشابه كبير.
والشكل عنصر مهم من عناصر الشعر الغربي. ومن الوسائل التي تكتسب القصيدة بها شكلها استخدام خطة معينة في القافية. ومن أمثلة ذلك السوناتة الشكسبيرية التي تكون قافيتها دائمًا (أ ب أ ب # ج د ج د # هـ و هـ و # ز ز). كما قد يتحدد الشكل عن طريق الوزن، فحين يستخدم الشاعر أبياتـًـا غير مقفاة، يتبع كل منها الوزن العمبقي خماسي التفاعيل خمس تفعيلات يقال إن الشكل الذي يستخدمه هو الشعر المرسل.
وفي القرن العشرين، يفتقر الكثير من الشعر إلى الوزن والقافية، ولذلك سمِّي بالشعر الحرّ.
المرثية أو الإليجا. المرثية قصيدة تتحدث عادةً عن الموت وخصوصًا موت صديق. ومن القصائد الرثائية المعروفة في اللغة الإنجليزية قصيدة توماس جراي مرثية مكتوبة في فناء كنيسة ريفية (1751م). وقصيدة عندما أزهر زهر اللّيلك آخر مرة في مدخل الفناء، (1865م) وهي لوالت ويتمان. وقصائد اللورد تنيسون في الذكرى (1850م) وهي سلسلة قصائد رثائية يواسي الشاعر فيها نفسه لفقد صديقه آرثر هنري هالام.
المراثي الرعوية تقدم الصديق الراحل والشاعر المفجوع كرعاة الغنم. والأمثلة على المراثي الرعوية تتضمّن: استروفل لإدموند سبنسر (1595م) وهي عن موت السير فيليب سيدني، وليسيداس لجون ميلتون (1637م) وهي عن موت الملك إدوارد، و أدونيس لبيرسي بيش شيللي (1821م) وهي عن موت جون كيتس، و ثيرسيس لماثيو أرنولد (1867م) وهي عن موت آرثر هيوج كلدوج.
لقد استخدم اليونانيون القدماء مصطلح المرثية للإشارة إلى شكل الشعر أكثر من مضمونه. وتعالج أكثر المراثي اليونانية والرومانية القديمة الحرب والحب، أكثر مما تعالج الموت. فمثلاً تعد مراثي الشاعر الروماني أوفيد بشكل رئيسي أشعار حب.
القصيدة الغنائية (الأود). قصيدة شعرية ذات طول معتدل تعبر عن الإطراء. وقد كتب المسرحيون الإغريق قصائد غنائية جماعية من ثلاثة أجزاء: جزءان، استروفي وغير استروفي، ولهما وزنان متطابقان، ويسمى الجزء الثالث الإيبودة، وهي ذات أوزان متغايرة. وكتب بندار الإغريقي قصائد غنائية في أبطال ألعاب القوى، استخدم النموذج الاستروفي، الذي سمي فيما بعد البنداري. انظر: بندار. وكتب هوراس الروماني القديم قصائد غنائية مؤلفة من منظومات متَّسقة سميت بنموذج المقاطع.
وتضمَّن الشعر الإنجليزي منذ عهد بن جونسون أشكالا من القصائد الغنائية البندارية والمقاطع الغنائية والقصائد الغنائية غير المنتظمة، أو تلك التي ليست لها بنية شعرية معينة. وكتب جون درايدن قصيدتين غير منتظمتين في تمجيد سانت سيسيليا. و قصيدة للمساء وهي قصيدة غنائية منوتة ألفها وليم كولينز. وأما أعظم القصائد الغنائية غير المنتظمة في القرن التاسع عشر الميلادي، فقصيدة وليم وردزورث جوهر الخلود، وقصيدة بيرسي بيش شيللي قصيدة للريح الغربي، وقصيدة جون كيتس جرة الإغريق، وقصيدة اللورد تنيسون في موت دوق ولنجتون.

نحو وعي أوسع لموسيقى الشعر- نماذج شعرية مختلفة كردياً-


قد يتفق الجميع معي، أو أتفق مع الجميع، على أن البحث في الموسيقى المتعلقة بالشعر، وما يكونه الشعر بالذات، لهو من المعضلات الكبرى، كما هو ملموس لدى بني جلدة ( الشعر)، والذين يختلفون فيما بينهم، من خلال تنوع أذواقهم، ومصادر ثقافتهم التي تملأ عليهم عالمهم الروحي، أو الذاتي، والأكثر من ذلك، من خلال اختلاف وجهات نظر، تفتقد إلى الكثير من المداميك التي تبرز أهلية المعنيين بما ينهمُّون به، ليس من باب رميهم بالجهل، أوعنونة أمية وعي الموسيقى الشعرية عندهم، وإنما لأن لدى هؤلاء مرجعيات ذاتية، أو شفاهية، أو اعتبارية، لم يجر التعمق فيها، حيث أن في وسع أي كان، أن يؤكد موسيقية ما يأتي به، باعتباره شعراً، وهو مصيب في ذلك، وأن هذا اليقين الموسيقي النفسي، يحتاج إلى تبصرة بالحجج التي يستند إليها كل من هؤلاء، ولعلي في مادتي هذه، لا أقوم بتنظيرشعري، وفي هذا الحيز المحدود، وإنما سأمارس مقاربة أوسع، كما يشفع لي وعي الذاتي، لموسيقى الشعر بالذات: كردياً، ومن خلال نماذج شعرية، سواء كانت مكتوبة بالكردية، أو بالعربية، والرابط الوحيد بين هذه وتلك، هو محاولة إبراز وشائج القربى في الإيقاع، إيقاع موسيقى الشعر، دون أن أمنح الوزن، تلك السلطة التي تفصل بين ما يستحق أن يسمى شعراً، ولا يستحق ذلك من خلال الوزن هذا، وإن كنت سأورد نماذج للتوضيح، وللدرس، وحتى للمقارنة الضمنية، وهو، بدوره يشكل إجراء يستهدف مكاشفة الحراك الموسيقي في الشعر، وإن غاب ما ما يسمى بالوزن، أو القافية ذات الصيت التاريخي التليد( عصا الراعي التي يهش بها على قطيع كلماته الموزعة بين شطري بيته : صدراً وعجزاً، وفق مسافات، وتوازنات متتابعة).
وهذا المبحث، ربما كان ذاتياً، أو بناء على متابعة، أو تلبية لطلب ملح هنا وهنا، وربما تأكيد ود لطالب رأي في هذا المضمار العتيد مقاماً، أو من خلال ما هو مقروء في نطاق الشعر، والشعر الكردي كنموذج حي، أو لوجود هواجس معاشة من الداخل، داخل دهليز الثقافة الكردية، ووعي الذاثقة هذه ذاتياً، وصلة كل ذلك، بالأفق الجمالي لهذا الجانب الفاعل في وجداناتنا، كما هو المشهود له، في المناسبات: فرصتنا الأكبر للتلاقي، وما تطرحه المواقع الانترنيتية من كم كبير من النماذج المؤكّدة من جهتها نسبها الشعري، وهو كم مكموم، ملجوم موسقياً في مجمله.

خطاطة بحثية:
بوسع أي كان، من المعنيين بالشعر، أو موسيقى الشعر، وصلتها بالواقع والانسان، وراهنا، وربما خلال مدة قصيرة، إذا ما أراد البحث عن بعض المراجع التي ( تسعفه)، في مكاشفة مسائل تخص الشعر بالذات، أو ما يمكن أن يكونه الشعر، أو مصادر مباشرة تنير عليه عالمه في المشاركة القولية، أو الكتابة في جانب مما تقدم، سواء من خلال مكتبته الخاصة، أو بالإستعارة من سواه، أو عبر اللجوء إلى المكتبة وغيرها، ويكفي بالمقابل أحياناً، أن يستعين بمصادر أو مراجع واردة في الكتب المتخصصة ليزيد علماً بموضوعه، ولهذا، سأكف عن ملاحقة العناوين، وإملاء البياض هنا بإحالات مصادرية أو مراجعية، بغية التركيز أكثر على موضوعي هنا، ولكنني، ومن جانب إعلامي ليس إلا، حسبي أن أشير إلى بعض هاتيك المراجع، وهي مصادر تتحرك في الخلف، مما أكتب، للتنويه على أن المثار هنا، ليس استرسالاً قولياً، أو هوى إنشائيات فقط، طالما أن الذي أتعرض له، هو جملة نماذج شعرية مختلفة، ومن باب المقارنة أيضاً، ومقاربة ما هو موسيقي في الشعرحصراً، وكيف يمكن تذوق الموسيقى( رؤيتها، إن جاز التعبير)، وإن لم تكن موجودة، إن حِرفية المبدع هي التي تهيء القارىء لكل ذلك:
أرشيبالد مكليش: الشعر والتجربة، ترجمة: سلمى الخضراء الجيوسي، مراجعة: توفيق صايغ،دار اليقظة العربية، بيروت، 1963. إن قراءته عامة تشكل ثراء للمهتم بهذا المجال، ليس من باب التشيع له، وإنما، لأنه في مجمل فصوله، يقدم وجهات نظر مجتهد في المجال المذكور، في ( الوسائل المؤدية إلى المعنى- شكل المعنى)، وهما قسماه المكونان له، بفصوله الثمانية.
ت. س . اليوت : في الشعر والشعراء، ترجمة : محمد جديد، دار كنعان، دمشق، ط1، 1991، كما في ( الوظيفة الاجتماعية للشعر- موسيقى الشعر- ما هو الشعر الأدنى..).
كمال خير بك: حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر" دراسة حول الإطار الاجتماعي الثقافي للاتجاهات والبنى الأدبية"( دكوراة دولة في الآداب، من فرنسا ، سنة 1978)، والطبعة العربية الأولى 1982، بيروت، دار المشرق، وهو يشكل سيرة أدبية تاريخية وبحثية أكاديمية لافتة، في الشعر من جهات مختلفة، وبصورة خاصة، الجانب المتعلق بالعروض، والموسيقى.
عبدالواحد لؤلؤة: مدائن الوهم" شعر الحداثة والشتات" : دراسة نقدية، منشورات رياض الريس،بيروت، 2002، حيث إن ميزة هذا الكتاب اللافتة، تتمثل في ذلك الموقف الحدي والصارم والجريء كذلك، من شعر الحداثة، وما يعنيه الشعر، والأكثر تركيزاً، هو المشار إليه بالنثر، وأكثر من هذا وذاك، ( شعر الجوائز)، ومن خلال نماذج مختلفة، وهذا مهم جداً، أعني من جهة التعرف إلى العلاقة بين الشعر والجائزة المعطاة على أثره، واستحقاق ذلك.
محمد صابر عبيد: القصيدة العربية الحديثة بين البنية الدلالية والبنية الإيقاعية " دراسة"، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2001، وأهمية الكتاب هذا تتأتى في تتبع مؤلفهِ لمفهوم الإيقاع وصلته بالوزن، وأثريات الموسيقى ضمناً، ومن خلال نماذج مختلفة.
عبدالعزيز موافي: قصيدة النثر من التأسيس إلى المرجعية، منشورات مكتبة الأسرة، القاهرة، 2006، وأطنه كتاباً مؤثراً في مجهوده التتبعي لحركية القصيدة، وإنشائياتها الاجتماعية والفكرية والوظيفية وغيرها، ومفارقات كل من الشعر والنثر، وكيف تتجلى الموسيقى في السياق( وهذا هو الوجه الأبرز في الكتاب)، عدا عن كونه كتاباً يؤرشف لمرحلة مديدة، تعنى بالنثر، وما يكونه النثر قيمة أو مقاماً، كما في الفصل الأول، من الباب الأول( قصيدة النثر بين الحرية والضرورة)، والفصل الرابع من الباب الرابع( الإيقاع الهارب)...الخ.
أكتفي بهذه الإحالات، وأنا أستدرك ما يجب التذكير به، وهو أن الكثير مما سميت، هو عربي لغة وتوجهاً، ولكن الشأن هو عام، من ناحية المستهدف من الفصيدة، أو الشعر، أو الموسيقى المسموعة( إن جاز التعبير)، داخل المقروء الأدبي : الشعري ، تحديداً،ويعني هذا، أن قرَّاء العربية وحدهم، من يمكنهم متابعة هذا الهم الأدبي- النقدي- الفكري- الثقافي، وهم كرد هنا، قبل كل شيء، والذين يتزودون في المجال المذكور بما هو متوافر عربياً، ويزاوجون بين ثقافتين : عربية وكردية، وعلى هذا الأساس، ووفق هذا المبتغى، كان سعيي إلى الكشف عن آليات العمل في كتابة ما يكون شعراً، وباقتضاب، دون النظر في الإيقاع باعتماده الوزن أو القافية، كعلامة فارقة، أو كما يتوهم البعض، وما أكثر، لجهلهم الجانب العروضي، وثقافة العروض، أو البحور، وصلتها بالحدث الشعري، أو الموضوع المتحوَّل شعراً. مسعاي، ما يمكن تلمسه شعراً، مهما بدا المقروء في صمته، ومن خلال حضور المقومات التي تشهد على أن الحاضر المتجدد هو شعر.
وكما نوهت بداية، أوضح أكثر، ولتبيان الخطة المعتمدة، على أنني سأستشهد بنماذج شعرية مختلفة، ومن باب المقارنة، ولإعطاء الفرصة للقارىء، وللمعني في التفكير على طريقته، بأكثر من لغة، مما هو متوفر لدي، دون نسيان أن الحيّز الأكبر هو للجانب الكردي لاحقاً، سواء كان باللغة الكردية( وهذه لها الحضور الأكبر: اقتباساً)، أو بالعربية، كما هو معلوم.

إضاءة المفهوم:
لا يمكن الإجابة على أسئلة، تتطلب كتباً، لا بل مجلدات، من نوع: متى بدأ الشعر وكيف، ما هو الشعر وكيف، ما هو الشعر الحداثي في تاريخه، وتمييزه عما كلاسي، إذا راعينا التاريخ، والجانب الالتباسي في مفهوم الحداثة وصلتها بالتاريخ، وتعرضها للمتغيرات، ما الذي يوجِد الشعرالحداثي ويكوّنه، ما ذا يعني النثر، ماذا وراء عبارة : الشعر الحر( كما لو أن سواه مقيد، كما يخيَّل للبعض)، أو النثر المشعور، أين هي موسيقى الشعر، وكيف تكون الموسيقى هنا...الخ؟
لكن يمكن التوقف عند مفهوم الموسيقى، ولو قليلاً، لأن الموسيقى هذه هي عتبة رؤية، وحكَم فصل، في هذا المنحى، إنها بوصلة التحدي للشاعر إزاء ما يكتب، البعد المبارزاتي الذاتي والموضوعي نفسه، وهو يتقدم شاعراً، وما يشهده الاسم هذا من اضطراب المعنى، وصراع التسميات، أو احتدام المواجهات بين أهل الشعر، ومعهم النقاد بأهوائهم مجتمعة.
إن أول ما يتبادر إلى الذهن، هو ارتباط الموسيقى بالوزن، بوجود بحر يحدد مسافات، حركات تخص الإيقاع، فقد تحدد الوزن ( بمجموعة التفعيلات التي يتألف منها البيت، وقد كان هو الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية)، أما الإيقاع فبوصفه ( تكراراً دورياً لوضع يمكن أن يلعب دوراً ثنائياً في تشكيل بنية القصيدة – انظر: محمد صابر عبيد، في مصدره، ص 20)، وهذا يمكن تعميمه على الشعر في اللغات الأخرى، من جهة اعتمادها على أوزان خاصة بها طبعاً،أو التذكير به إلى جانب الشعر المكتوب في لغات أحرى، أما بالنسبة للشعر الكردي، فأظنه أقرب إلى الشعر العربي، من جهة التأثر به كثيراً، حتى عروضياً، وفي الجانب الإيقاعي " الحُجُراتي" كثيراً بالمقابل، وأكثر من هذا وذاك، ما يتعلق بالجانب السماعي" الأذني"، كما لوأن السماع هو عروض الشعر الكردي، وضابطه الوزني، ومقوّم حراكه اللغوي، لدى جمهرة كبيرة من الشعراء يعتمدون الوزن والقافية، دون اعتنائهم بما يمكن قراءته ( فما يسمَع، حيث يتم ضبط الإيقاع، باعتماد النبر خفضاً وعلواً، يملأ الثغرات التي تشكل تصدعات جلية، غير الذي يُقرَأ، إذ تبرز التصدعات هذه، في مجمل ما هو مكتوب كردياً، حتى بالارتكاز إلى بحور عربية، وهو ارتكاز سماعي بدوره)، وفي هذا، جهل متتابع.
لكن الموسيقى التي يتم ربطها بالوزن، والإيقاع الذي يتداخل في تحركه خفضاً وارتفاعاً نبريين مع الوزن في ثباته العروضي غالباً ( عندما نجد في القصيدة الواحدة، حضور أكثر من بحر موسيقي، كما يسمى)، ليست ذات نسب وزني، عروضي، مقفياتي! إن هذا يعيدنا إلى الجانب التربوي: الشعائري الطقوسي التقليدي، في جعل الروح ذاتها تتجاوب مع الموسيقى هنا، بوصفها منبثة من داخل الشعر الموزون المقفى، وثمة ثقافة تتحدث هنا، وإملاءات سلطوية ثقافية تتحكم بهذا النازع الإيقاعي الموجَّه، والعملية مرهونة إلى تاريخ طويل، وصراع من داخل الثقافة.
الموسيقى تتجاوب مع لغتها، مع أي نص، يمكنه أن يكون شعراً، إذا امتلك المقومات اللازمة، وما في ذلك من اختلاف وجهات نظر لا تتوقف مواجهاتياً، ودخول مفهوم الغموض الملتبس بدوره، من أوسع أبوابه( أعني ما يكون شعراً، وهو يتبدى هنا وهناك نثراً)، حيث تتنوع الأدوات وقيافات القول الشعري في الحالة هذه، في التكثيف، وثراء المتخيل، وتداخل الرموز، وطريقة التركيب اللغوية، وموقع الجسد في الكتابة الشعري...، ليكون الإيقاع علامة فارقة للنص نفسه، مثلما أن الموسيقى تكون موشّحة له( أحيل القارىء، أو المعني هنا، إلى كتاب عبدالعزيز موافي، السالف الذكر، في الفصلين الثالث والرابع، من الباب الرابع: إيقاع القصيدة).

بوابة ضيقة جداً:
لقد ذكرت، على أن الشعر بدا إيقاعياً، وبالسماع، أي شفاهة، والشعر الكردي ما زال يصر على هذه الخصلة، وإن كان يغيِر على بعضه بعضاً( عندما يبرز شاعر يسمي نفسه حداثياً، أو أي كاتب كردي، ويعتبر ما هو مكتوب شعراً كردياً، قديماً، غير ذي نفع يُذكَر، ويكون الرد من المعتبرين أنفسهم حفدة ما كانوا حملة ثقافة كاملة بشعرهم، وحتى العهد القريب، حيث ما زلنا نشهد حضوراً جُزُرياً لهم في المحيط الهائج للمعتبرين أنفسهم عصريين- حداثيين، وفي الحالتين ثمة سوء فهم، والصحيح، هو الخلط بين زمن وآخر، بين دور ودور، بين قيمة اعتبارية لما يشكل شعراً، ونفي ذلك، بين موسيقى تتشفع بتراثها، وموسيقى تعلن تمردها، وربما عقوقها، على ما تقدم، كما لو أن بياناً صوتياً، أو حركياً من هذا النوع، يؤصل لحداثة كردية في الشعر، ويوطد الحضور الكردي في الواقع المعاش، وهو في تردي أبعاده قيمياً.
وما أذكّر به، هنا بالذات، هو أن مفهوم السماعية( السماعية تخيلاً، السماعية الحسية عموماً، السماعية كذات متماهية مع ذاتها، السماعية كجنوح لفظي، السماعية المفارقة لواقع مدروس بدقة واجبة، السماعية المفصولة عن الأرضية المؤهّلة لها لتكون في مستوى اسمها، واسمها ليس ثابتاً، مثلما هو مجيطها الجغرافي، وفضاؤها الثقافي، ومجال عملها التاريخي أيضاً)، ما زال الوثنَ اللعين الذي يصالب الكردي الموسوم، والتقدم شاعراً، يصالب يديه أمامه، أو يكون في وضع المستسلم لذلك النمط الإيقاعي الشفاهي( عودة سريعة ، اضطرارية، نكوصية، إلى السماعية الآنفة الذكر)، إن الكردي هو إانسان اللحظة السماعية تاريخياً، ومن الداخل، حتى اللحظة هذه، مع تفاوت غير ملحوظ كثيراً في النسبة، إنه بداوتي القريحة، المتجلبب باللامدني تصور ذات ِحقيقية مسلكياً، رغم أناقة ربطة العنق، وبهاء البذلة، وحتى التميز باتقان أكثر من لغة أحياناً، كما تقول انتشاراته الاسمية، أعني حضوره الشكلي، أو الهيكلي هنا وهناك.
هذا المذكَّر به، له علاقة بصلب الموضوع، بخاصية الموسيقى وحضورها الجلي، في كل ما نقول ونفعل، لا بل تكون الموسيقى مداخلَ، لمعرفة مدى عمرانية الكائن الإنسي من الداخل، وكل انزياح لها، أو جزر لها، أو حصر دلالي، هو تعريف بضحالة الذات ( انظر حول ذلك، ما أثرته في كتابي : الموسيقى عتبات المقدس والمدنس، الصادر عن مركز الإنماء الحضاري، حلب، 2005، وبدءاً، من المدخل:" ما لهذه الموسيقى" ، و" الموسيقى ذلك المجهول"...).

وقفة إطلالية: 
يمكن النظر قليلاً،في كتاب الشاعر محمود صبري( Evîndarê Xemcivîn) : ( إطلالة على ميزان الشعر الكردي: de Nerînek di terazûya ristên kurdî)، وربما كان العنوان أيضاً ( نظرة في ميزان الشعر الكردي)، وهو دراسة " vekolîn"، والذي صدر سنة 1997، ثمة محاولة سبرية في هذا المضمار البحثي الموسيقي، كما يشير العنوان، وإن افتقد العنوان المذكور الدقةَ البحثية: المفهومية، وهو يستخدم ( الميزان)، بدلاً من الوزن المعروف في الشعر kêşesazî، محيلاً إلى جانبي كل من الشعر، أي القصيدة ذات الشطرين: الصدر والعجز، وضرورة تساويهما، وهذا لا يكون بإطلاق، حيث تتنوع كتابة الشعر، إن راعينا الوزن راهناً أكثر، وحتى في نصوص سالفة، لجكرخوين بالذات، في فصائد مختلفة له. كتاب صبري، وإن لم يكن مصدراً محكماً فيما نحن بصدده، إلا أنه يمثل جسراً ما، يوصلنا إلى الطرف الآخر من النهر البحثي، مما يخص مواقعية الموسيقى في الشعر كردياً.
في البداية يتحدث عن القصيدة، ومن ثم عن البيت الشعري ( يركز، كما يظهر، على الشعر الكلاسي، في شطري بيته)، وثم عن الشطرين، ولاحقاً عن الحركات والسكون ( أحيل القارىء، ومن باب المقارنة، إلى ما أورده كمال خير بك، في كتابه المعروف، حول ذلك، مع اختلاف الأمثلة، لاختلاف اللغة، ومقوماتها في حروف المد وسواها، صفحة 210).
ويوضح كل ذلك من خلال مثال شعري، مكوَّن من بيتين متساويين حركات ٍوسكنات، في الصفحة " 11"، وليس مبتغاي هنا، إظهار العلاقة بين كل من الحركة وكيف يكون رسمها، وإشكالية تثبيتها، والسكون المتناوب، مرة، أو أكثر تتالياً، وإنما إبراز بُعد إقحامي في الموضوع، سواء من ناحية التصرف بتسلسل الحروف، أو إقسار الشفاهي، أو العكس: المكتوب، للاستجابة للمرسوم تقطيعاً عروضياً، ودور النبر في هذا المقام، وحتى إشكاليته كردياً، حيث، من جهة يتشكل طبيعياً، ومن جهة ثانية، يتصرَّف به فوق طاقته، كجعل النبر المخفَّض مرتفعاً، كما هو السائد كثيراً، في المسموع من الشعر الكردي، أو حين يستحيل كتابةً.
البيتان المستشهَد بهما، ودون أن أتعرض لهما بنية ومقام جمال ِشعر، هما:
Şevreş bike ronî tu bi luks û fenerê
Maçek ji du lêvan bide ey lêv şekirê
ويقطّعهما هكذا:
Bi-ke-ro-nî-tu-bi-luk-sû- fe-ne-rê-şev-reş
Ma-çek-ji-du-lê-van-bi-de-ey-lêv-şe-ke-rê
ليقول تالياً( كما هو جلي، يتألف الشطر الأول من ثلاثة عشر مقطعاً، وكذلك الشطر الثاني من ثلاثة عشر مقطعاً. ص 12).
لقد تم تقطيع البيتين سماعياً ببساطة لافتة، ووفق هوى الأولين، والذين مازالوا محكومين بالذهنية للسماعية في تقطيع البيت، وإبراز الحركة المطلوبة، أو المخدَّمة، وكذلك السكون المعتمد: إطالة أو قصراً، وكما هو الوقف والتحرك هنا، وفعل النبر في تسويق الإيقاع اللفظي.
إن المقطع الأول، في البيت الأول، لا يقابل المقطع الأول، في البيت الثاني تساوياً، طالما أن الكلمة الأولى تتكون من حروف ستة، وحروف خمسة في الثاني، رغم تساوي التقطيع وزنياً.
إن van، تقابل nî، حيث سكونان مقابل سكون واحد، وفي الحالة هذه، يكون دور النبر جلياً، في إمالة الألف، كما لو أن الحرف هذا غير موجود.
لاحقاً، تقابل bi de ey،ما ورد في البيت الأول tu bi luk، حيث يجري ضم السين إلى û، ليستقيم الوزن.
وكذلك فإنsû، تقابل lêv، حيث يتراءى سكونان، مقابل سكون واحد،فيكون للنبر دوره التضخيمي مجدداً هنا.
أكثر مما تقدم، لا يمكن مساواة الحرف الممدود، بالحرف المخقض، أي بالحركة تحديداً، كما هو ملموس، وهذا متَّبع كثيراً في قراءة الشعر الكردي، ومن ثم تدوينه على الورق، دون ملاحظة الفارق كثيراً، حيث يفصح إجراء من هذا النوع، عن خلط كبير بين حرف العلة، والحركة، وهذايصادر على استقلالية اللغة، عندما تكون مقروءة شعراً، كما هو متّبع في الشعر العربي.
إن رجوعاً إلى الوراء، يمكننا من مكاشفة السلطة الشفاهية، تلك التي تؤسس لموسيقى الشعر، وتبيان المسافات التي تحدد العلاقات الإيقاعية للمقروء شعرياً.
لنأخذ هذا المثال من علي حريري 1010- 1078، وهو مأخوذ من ( تاريخ الأدبيات الكردية)، لقناتى كردو، وباللغة الكردية، طبعة ستوكهولم، 1983، صفحة 59.
Xalên di şibê enberî 
Dêm her wek qemerî
Ez têr nabim ji menzerê
Min maçit ji xeyalê

Min qet naçî ji bîrê
Zilfêt şibê herîrê
Wê li ser be di mûnîrê
Dagirt bûn helalê
إن قراءة هذه الأبيات، تفصح عن مدى سيطرة الذائقة السماعية، وليس الإملاء السماعي، إلا امتداداً، لتلك الثقافة التي لم تتقوعد بعد، وتستقل عما هو شفاهي، وما في هذا المنحى من ارتداد عن العصر ومتطلباته، إن تم اعتماده بحلته هذه، في سياق وظيفة اللغة، وحركية الزمن، بإيقاعاتها المختلفة والمنظمة.
إن المتقدَّم به ، لحظة متابعة أمره،ينطبق على كبار الشعراء الكرد، ممن وردت أسماؤهم في الكتاب المذكور، أو في ( انطولوجيا الشعر الكردي)، وكما في حال جكرخوين وسواه.

فاصل منشّط ؟ :
أستعيد هنا الرأي الذي أورده باسيل نيكيتين، في كتابه ( الكرد" دراسة سوسيولوجية وتأريخية") والمترجم من قبل الدكتور نوري طالباني، سنة 1998، وهو يخص الألماني أوسكار مان، ومضمونه ، هو أنه يربط الأبيات الطويلة والقصيرة، وتنوع القافية، وعدم وجود الوزن أيضاً، وكذلك حالات الوقف، بالموضوع نفسه عند الكرد ( ص438)،.
وفي مكان آخر، يبدي ملاحظة، رابطاً بين السياسة والشعر ( إنهم في السياسة، شأنهم في الشعر، لم يستطيعوا أن يتجاوزوا المرحلة القبلية المبنية أساساً على الفردية وعدم الانتظام ..ص443).
هذه الملاحظة الثمينة، والتاريخية، كان يمكن الاشتغال عليها من قبله، حيث أن السائد في السياسة، هو المتلمَّس في منحاها القبلي العشائري، والذي يمنع بروز الذهنية الجامعة ثقافياً، والتي من شأنها ممارسة تقعيد العروض الكردي، إن جاز التعبير، كما فعل الفراهيدي عربياً. إن الشتات في القول الشعري، أو ما يدخل في عداد الشعر، وهو مغنَّى، من طول وقصر، ومن اختلاف في القافية، ونفي للوزن أو حضور ما له، لتكون للموسيقى حركة مختلفة..، إن كل ذلك يواجهنا بالبعد الخرائبي، لجغرافيا ثقافية مستقرة، ومن خلال نوع من التآلف الموجود، يمارس ضبطاً أكثر لما هوفونيتيكي كردياً، ويضفي على الشعر الكردي والذي ما زال الفولكلور يحتفظ بالكثير من أوابده و" قلائده"، قيمة امتياز تاريخية، تلهم الآخرين، والكرد بداية، وهم في تبعثرهم النفسي والوجداني، عدا التضاريسي، والتاريخي، حيث النهايات الكبرى، والمترافقة مع طول بيت ما، كما في ( أغاني الحرب ، مثلاً)، كما هي النهايات القصيرة، تتجاوب مع كمية الهواء الداخلة إلى الرئتين، وتعبّر عن الحالة النفسية، والمكان، وكذلك الوضعية الاجتماعية للمعنيين بالموضوع.
ولكن، وقبل كل شيء، تكون الشفاهة، عبر السماعي، من خلال مطمطمة الصوت، ورغم أنف اللغة وقواعدها في السكون والحركة، سلطة طاغوتية، تؤكد أصالتها البارعة والمخيفة، في احتواء الغالبية من الكرد، ومن الداخل، حتى وإن بدوا حداثيين بيوتاً وتخوتاً وسموتاً ( أحيل القارىء هنا، إلى أمثلة فولكلورية، جمعها جكرخوين، في كتابه : الفولكلور الكردي، ستوكهولم، طبعة 1988، وكذلك إلى أغاني عبدلو، سعيد ملا خليل، عبدالعزيز سمي، هجار علاني، سليم كورو، رفعت داري..، وأظنها متوفرة عند أصحاب محلات بيع الأشرطة...).
هنا أثبت: ما أشبه الشاعر الكردي، وهو في أوج حداثته المعتبرة، بذلك المغني المضافاتي، حيث المضافة حلت في الداخل، وهو يتصور: يتخيل الآخرين متحلقين حوله، أو يسمعون صوته، مع فارق أن المغني كان يجوّد صوتياً، بينما الشاعر، فهو يجوّد بالصوت دون التنغيم المطلوب).
لنأخذ هذه القصيدة، لسيدا جكرخوين، من الديوان الثامن ( ِaşitî)، والمنشور بعد وفاته، سنة 1985، وهي قصيدة ( Kurdo namûs e rabe)، كما كانت المرحلة تقتضي بلغتها، وطبيعة النظم اللغوي فيها، والمسئولية التي يستشعرها صاحبها:
Kurdo namûs e rabe
Ji bo me qet we nabe
Li şoreş tên kuştin
Li vir vexun şerabê
Ji bo me fidakariyê
Em dernegan vekin zû
Da brayên Îranî
Li me nekin itabê . r:49
في هذين المقطعين، ثمة إمالة لحرف الألف، في الكلمة الثانية، في البيت الأول ليستقيم الوزن، بينما ثمة كسر جلي في البيت الثالث، ووحده الصوت قادر على ملء الفراغ، ويمكن السير قرائياً مع مجمل المتبقي من المقبوس. إن الموسيقي تتبع نظام الصوت المسموع حسياً، والمودع داخل المنشور أو المطبوع على الورق، كما يظهر. والمدرك لطبيعة البحر، يعرف إنه إزاء مجزوء الرجز، مع تصرف اعتباطي بوزنه، والإيقاع بدوره متحكَّم به شفاهياً، وجكرخوين واقعاً، ليس الاستثناء هنا، لا بل ربما كان الأفضل بين الكثيرين، من متعلمي العربية، ممن اعتمدوا العروض العربي في الغالب، من خلال تأثرهم بالثقافة العربية هنا، والمستندين إلى الأذن الذائقة سماعياً.

منازلٌ منازلٌ:
نعم، نحن بصدد منازل القول الشعري، وتوجهات القول هذا، ومراتب: منازل الموسوم بالشعر، بغض النض عن الوزن، أي أنني أهتم بالوزن، طالما ينطلق صاحبه منه، لأمعن النظر: السمع بالتحديد، في الملفوظ، بحثاً عن حركية الموسيقى داخلاً، مثلما أهتم بالشعر، متجاهلاًرهان الوزن، طالما الرهان يعتمد على البنية الإيقاعية الخاصة، على تفجرات المعنى، وزخم المتخيل.
ثمة أمثلة مكاشفة لبعض مما يخص موسيقى الشعر.
المثال الأول يخص مقطعاً من قصيدة بودلير ( هارمونيا المساء Harmonie du soir):
Voici venir les temps oú vibrant sur tige
Chaque fleur s,évapore ainsi qu,un encensoir
Les sons et les parfums dans l,air du soir
Valse mélancolique et langoureux vertige
( المصدرles fleur du mal: أزهار الشر، طبعة pocket، باريس 1989، ص 71).
والترجمة المقترحة:
هاهو الوقت أقبل إذ تتهزهز 
كل زهرة على ساقها وكما المبخرة تفوح
حيث الألحان والعظورطي نسيم المساء
مثل دورة الراقصة المغمومة والنشوة الواهنة
والمثال الثاني، مأخوذ من كتاب أرشيبلد مكليش السالف الذكر ( ص28- 29)، ويخص جويس:
Wind whines and whines the shingle
The crazy pierstakes groan
A sentile sea numbers each single
Slimesilvered stone
والترجمة الواردة في الكتاب هي:
الريح تنتحب وتنتحب الألواح،
وأعمدة الرصيف المجنونة تئن،
والبحر الهرم يعدُّ كل حجر
غرويّ فضي ..
ما أردت من خلال المثالين السالفين، وعبر محورة الموسيقى، هو التالي:
إن مجموعة الأبيات الواردة( بالفرنسية في الحالة الأولى، والانكليزية في الثانية)، تعتمد إيقاعاً ركيزته الوزن المعتمد في اللغتين، مثلما أن القافية تأتي في النهاية، وهي ثنائية في المثالين.
إن المتمعن في المثالي، ومن وجهة نظر شعرية، لا بد أن يتلمس روح الشعر، من خلال كثافة المنظور الإبداعي، والحراك الدلالي الضمني، فيكون الوزن لاحقاً على مزايا لغة الشعر.
إن المقروء، عبر الترجمة، لا أظنه يقلل من الحضور الموسيقي الباذخ في المثالين، حتى لو أن الوزن غائب، بفعل الترجمة، ويعني هذا، أن روح الشعر، عندما تتخلل لغة ما، تكون الموسيقى حاضرة، ولا يمكن لا للقافية، ولا للوزن، أن يؤكدا همزة الوصل الشعرية هنا.
ولعلي، باقتباسي هذين المثالي، أريد التنويه إلى الموسيقى التي تتلطف باصطحابها روح الشعر، دون اعتبار الوزن أو القافية، جواز تأكيد أو عدم تأكيد لما هو شعري هنا.
القارىء، وكما أرى، يستشعر استئناساً روحياً باللغة، وهي مترجمة، من خلال الجو المضمخ بالمتخيَّل الشعري، بانفتاح الكلمة على أفق رحب، من ناحية تتالي الدلالات وأطياف المعاني.
وثمة مثال ثالث، يتعلق بسليم بركات الشاعر والروائي الكردي، وهو يكتب بالعربية، إنه مثال مركَّب، أعني أن ثمة ما يقرَأ له موزوناً، باعتماد بحر أو أكثر، أو حالة المزج بين الموزون والمنثور، ودون القافية أحياناً، وما هو طليق، دون وزن.ومن يقرأ الأعمال الكاملة( الديوان)، يلاحظ هذا المنحى، حيث الارتكاز يظهر أكثر من خلال ( المتدارك)، وفي بعض الحالات يظهر كل من ( الكامل) و( الرمل).
في ( دينوكا..) مثلاً، حيث يتقاسم ( المتقارب) بقية القصيدة، في بناء المعلم الشعري لها.ويبدو ديوان ( الكراكي) في أهبة اللاوزن، دون إخفاء الموسيقى المنبثة من حيوية الكلمات المتدافعة:
تيتل على الهضبة
وسكون يرفع قرنيه عالياً كالتيتل... ص159.
ولنمعن النظر في هذين المثالين:
ربما ذكَّرني الورد بنفسي،
ربما ذكر بي الورد رمالاًحُزمت كالنفس
قبل أن يطلقها البحر متاريس، ويأتي بسدود... ص 219.
والمبتدَأ به في ( منعطفات ظهيرة من ريش ...):
علّق الليل،
علق الليل كقبعتك،
وناد حوذيك النهار، الواقف، في انكسار، لصق عربتك الفارغة. ص 257.
ثمة دفق من الصور، من التعبير الجسدي، بكامل هوامياته، وحالات مزج بين صور متباعدة، ولكن الموسيقى تشغل المثالين، وإنما – أيضا- الخارج عن طور البحر، أكثر إفصاحاً عن حركية الموسيقى من الداخل، فلماذا انسياب ( الرمَل) في المثال الأول، وهو محدود بموسيقاه، وتجلي صوت الموسيقى في المثال الثاني أكثر؟ ألأن ثمة انطباعاً مسبقاً من أن بركات يشحن كلماته بالموسيقى من الداخل، ويبتعد عن الوزن، ابتعاده عن سلطة متوارثة، تمارس في الشاعر نقييداً؟
أم تراه يمارس تجريباً، وربما من باب المنافحة، على أنه قادر على الاشتغال بالوزن والقافية، وفي الآن عينه، بالشعر الذي يتكاثف معنىً، بعيداً عن أي وزن أو قافية؟
بركات مقروء شعرياً، فيما لم يتقدم به موزوناً أو مقفى في بعض الحالات ( في قصيدة " البراري " ص 68، يكون ( الكامل) بحراً معتمدا)، أكثر مما هو معرَّف به شعراً موزوناً وقافية، وهو في الوقت ذاته، يبرز أكثر طلاقة رؤية، وإبحاراً في الذات الشعرية المتهادية موسيقى، كما لو أن الكلمات ملحقة بالموسيقى، وليس العكس، من داخل مدونات ( الديوان) كثيراً).
ثمة نزوع إلى الموسيقى، إلى مكاشفة مكوناتها، من خلال ضروب التتابع أو التعارضات القائمة، أو تسخير جمهرة من الرموز، لبناء القول الشعري ذي المنحى المتجاوز لأكثر من صدى متماوج.

معهم حيث تكون موسيقى الشعر:
التوقف عند مجموعة من الخيارات، في كيفية التعرض لهذا الكم الكبير من المقدَّم برسم الشعر، سواء كان باللغة الكردية( وهو الجانب الأكبر هنا)، أو باللغة العربية، دون الفصل بين موضوعها وشاعرها الكردي هنا، يتطلب التزام المزيد من التأني، بغية احتواء المزيد من نقاط القوة والضعف معاً، وهي تجلو جانب الموسيقى، وكيف تنتشر أو تنحسر في صميم البنية التكوينية للمشهد اللغوي المتشكَّل شعراً، وكذلك التوقف عند مجموعة الاختيارات الواجبة تلك التي تخص هذا الكم المعتبَر، وما يمكن لهذا الكم، أن يستجيب للمخطَّط له بحثياً.
في الحالة الأولى، أجدني إزاء نقطة ارتكاز قاعدية، تمنحني، كما هو متصوَّر لدي: رؤية الحراك الداخلي للموضوع المثار، في تنوع تردداته القاعية، وليس الظاهرية، أو المسطَّحة مقومات، ولعل إجراء كهذا، يقيم وشائج قربى تكوينية أرحب، بين الشكل والمضمون، الظاهر والباطن.
في الحالة الثانية، أجدني بالمقابل، في مواجهة تحدٍّ ، تبيّنه أجندة الموضوع، أعني مختارات القول القول الشعري، أو ما نسِب إليه بندياً ( أُخِذ بشمول مسماه)، ولائحة المختارات الكبرى، لا تمنحني استقراراً مكانياً بالتأكيد، ولا تجنبني شططاً في بعض الحالات، وأنا أحاول مقاربة هذا الصدى ( الرجيم): الموسيقى، وتأريضها ( جعلها أرضية الإقامة)، من خلال المقروء، مأخوذاً بهوىً ما، مثلما أنها لا تقصيني عن وضع تيهي، بسبب التدفق الكبير لأطياف النصوص الموجودة، وما يدخل في حومة المقايسات، أو الاقتباسات المحوَّرة، ومحدودية الأمثلة، ولا سهولة مقاومة فتنة القول السائر ، وصعوبة ربط محنة الشعر بموسيقاه التي تتجاوز سلطانية الوزن، وحكمانية القافية، وهنا، أحاول تتبع نماذج مختلفة، والتركيز على أسماء ، لم أتعرض لها في محاولات نقدية سابقة، أسماء تتلمس في ذواتها حاضرة الشعر بامتياز، وكمال الموهبة المطلة على مستقبل يشي بمغريات نجومية، كما تقول بنية نصوصهم المنتقاة اضطراراً، وحيث لا يكون ترتيب الأسماء، أو النماذج خاضعاً لمقتضى حسابي ما، إنما هندسي يخص مدى حضور الشعر، بالصيغة السالفة، ويكون التقديم والتأخير في الأسماء، أشبه بلعبة كتابية، ولكنها مرسومة عن عمد، لئلا يكون التسلسل في التقديم، ذا صلة بقيمة لافتة لهذا الاسم أو ذاك، وحده المضون، ومدى تجلي حمامة الشعر المصفقة بجناحي موسيقاها، تشير إلى بر المعنى الأخصب هنا.
ولئلا تفوتني ملاحظة اعتبارية، ومن صلب البحث، لا بد من القول ، على أن كل ما ما هووارد من شواهد، أو مقبوسات، لا تشكل لوائح ( نأديب) أو خواتم قول ( محكم)، بصدد أي اسم، فكل مثال هو دون اسمه، وإن كان يرجو مناشدة الموسوم شعراً، وإن كان يُتقَدم بأدوات نقدية مكاشفة، ولأن الإجراء هذا، يعنيني أنا، ولا يلغي أياً من المعنيين، وإن كنت في عملية المكاشفة الدلالية، أبتغي تبيان كشف الجامع المشترك بين مجموع الداخلين في اختبار المعنى المحدَّد هنا.
مثلما أشدد على مقولة أن " الترحيب" النقدي بمقبوس ما، في مثال اسمي، لا يعني أنه بات قاب قوسين أو أدنى من التحليق الحر، في فضاء الشعر الرحب المدى، ولكنه يشكل علامة مضيئة، ثَنائية، تؤكد عتقاً لذات الشاعر من وطأة اليومي، والهامشي، والضحل، مثلما أن الموقف المتشدد من مثال آخر، لا يعني أنه من جهته، لم يعد في مستطاعه التقدم بخاصية شاعر، ولكن ذلك يشكل، علامة فارقة، تستدعي تنبهاً مضاعفاً، باعتبار صاحب المثال، يتطلب مقاومة أكثر، من جهة الاعتراف بما يعتبره شعراً، وهو خلافه، وبذل المزيد من الجهد، لتحقيق نصاب شعري.
بداية أتساءل: ممن يكون البدء، أو الانطلاقة البحثية؟
ربما أشرت سابقاً، إلى أنني أتحرى هنا، جملة من "الإرشادات" المعالمية، تلك التي تكفل لي، كما أرى، تأكيداً ما، لما يلي:
ما يقدمه الجانب الوصفي، من بداهات محققة، تتشكل إثر تراكيب لا تخفي مباغتتها، والوصف، وما أكثر الوصف بقياماته العاطفية، وأهوال قياماته هنا، الوصف هذا، لعبٌ بالنار، ولهذا، يأتي التركيز على كيفية ممارسة اللعب بالنار، دون أن تحترق يدا الشاعر، إنما يضاء عالمه بها.
كيفية التوفيق بين المتعارضات، وبناء صيغ قولية، تستولد موسيقاها المرافقة، وهي متنوعة.
الجُنََح الدلالية ، تلك التي تتخلل بنية الكتابة، وعدم التدقيق فيها، على أكثر من صعيد، وما وراء معايشة الجنح هذه، في مسبارها النفسي والثقافي والتربوي كذلك.
أقتصاد اللفظ والمعنى، بحيث يتآزران، في وحدة نصية، تضمن الجهر الذاتي بموسيقى متخيَّلة فعلاً، وهذا يمكن ملاحظته، من خلال الشعور القرائي بما يمتد حسياً، لحظة التفاعل الطرفيني.
وعندما أسمي هذه النقاط، تكون إجرائية،كونها في مجموعها لا تنفصل عن بعضها بعضاً.

أنسباء الموسيقى في الشعر:
أتحدث عن الوصف الذي يُخرج القارىء، أو المستمع، من حيث المنظور الطبيعي( كما هو الممتد أمامه في الطبيعة والواقع)، فتكون الدهشة حلقة الوصل بين أي منهما، والشاعر، والوصف لا يكون مجرد اعتماد لغة الاستعارة العادية، وإنما التخلي عن التركيب اللفظي المتوارث، أو المعتاد بتركيب هو صنعة الشاعر، حيث يصعب تقليده. إنها بصمة الشاعر المتحوّلة معه، بصمتُه في تنوع آثارها: كثافة إشارة، وخفة عبارة، وتصعيد فارهٌ بالمتخيل.
مثلما أتحدث عن الحراك الحر، دون ضياع الوزن، بسبب استعمال مفردات، يصعب تقبل أي صلة فيما بينها. إننا بصدد كيمياء العلاقات اللغوية هنا، والنتيجة تجلو بهاءها، إثر كل قراءة.
وأتحدث هنا، عن الموسيقى، من خلال الكلمات التي وإن تكررت، تكون متحررة من ظلال تبعية لبعضها بعضاً، إن كل كلمة أمَّارة بحضور دلائلي مختلف، إن سحر اللقيا، هو في الهارمونيا المتحصلة من تفاعل الكلمات المستدعاة، في حالة كونها، تمثل عائلة الشعر دون خانة ثابتة.

مدارات أصوات :
في قصيدة Bihna Reyhanan … Bihna dayîka min e …) : رائحة الريحان... رائحة أمي)، لـNezîr Palo، والمنشورة في موقع ( روزافا- 2006)، يمكن رؤية الكثير من روح الموسيقى، والشعور بظل فولكلوري لا يخفى، يسمي الكثير من حضور الذائقة الأدبية الشعرية، عبر مشهد بيتي، مشهد علائقي، طرفاه الشاعر الذي يستعيد طفولته، طفولة ما، حيث يخاطب الطفل أمه، أعني يعيش قلقها، أمومتها، مثلما يجلو ارتباطها بباعثه الحياتي، والأم المفجوعة بأبيه، بزوجها، وهي تعيش لحظة حضوره المستحيل، والغياب وحده يسفر عن ولادة موسيقاه النافذة خلل الكلمات، لكن ثمة استرخاء في الدوزنة الإيقاعية داخلاً أحياناً، واستفاضة في الوصف، كما لو أن الشاعر يعيش الطفل، وهو يريد تسمية كل شيء بلاغ المشهد الحسي.
إن إيراد مقطعين، يقربنا من الكثير من حيثيات التجلي الموسيقي ضمنا:



Çendîn tu li benda bavê min dima, te destên xwe yên henekirî, di nav porê min re dibirin û te bi stran digot: de nenî nenî delalê mino nenî. 
Delalê te yê biçûk dikete xewê û tu li benda vegera delalê mezin hişiyar dima. 
Êzingên ardanka te hemî dişewitîn û dibûn xulî, ardanka te sardibû, lê dilê te disotiya dayê, çavên te li min bûn, û guhên te gavên bavê min dipan.
Pir caran çilpikine germ dadiriviyan ser ruyê min, ew germahiya stêrên te bûn dayê, 
min digot: çima digrî dayê?
te digot: na ez bi qurban, ev xaniyê me dilopan dike..!!
Ne dilopên bana xaniyê me radiwestiyan, û ne jî dayîka min li bendemaniya hatina bavê min diwestiya.

Her rojê, te ew topreyhan a di pencereyê de avdida, te digot: bavê te ji bihna wê hezdike, 
dema vegere, ez ê deynim pîşa wî, û dema razê ez ê deynim ber serî.
Her ku bavê te bi kûranî bihna topreyhanê dikêşe, dibêje: ( Subhan Alah ) çi xweşe..
ev bihn bihna bihuştê ye..!!
Her min digot: dayê va ye bihna reyhanan ji te tê, nizanim ew dikeniya…an jî digriya..!!
Ne pencereya mala me dihate girtin, û ne jî topreyhana tê de diçelmisiya.

Bihna reyhanan ji navê deyika min û ji giyanê bavê min dihereke…

الكلمات في غاية البساطة، وهذه الشافية الكريستالية في الكثير منها، هي التي تؤمّن صعود صوت موسيقى الشعر، أعني الشعر الذي يؤمّن بدوره، للموسيقى ظهوراً مرافقاً على الأقل، كون الوصف ملتزمَ حدّه نوعاً ما، ومفارقات اللغة لا تخفي لعبة السرد الوصفية، ( وأقول " نوعاً ما" لأن ثمة ما يحد من انبثاق الموسيقى هذه، ثمة ما يحول دون ولادة ما يكونه الشعر شعراً).
نلحظ منذ البداية، كيف يتحدث الشاعر، وهو متمثّل سلاسة الطفل فيه( وهو طفله وقد بات كما هو في حديثه عما كان متخيَّلاً، يتحدث عماذا؟ عن أمه، وبلسان أمه هذه، عن أبيه، إنه دفق حب ومصارحة بهذا الحب، عن يدين محنَّاويتين ( كنت تمررين يديك المحناويتين حللَ شعري)، هذا تجنٍّ على اليد وحركتها، ونشاز في المحبك الموسيقي: فاليدان تمسّدان الشعر، تمرَّران عليه، وليس بينه ( dibirin di nav porê min re)، والصحيح: ( كنت تمررين أناملك" أصابعك" المخناوية خلل شعري)، عدا عن أن اليد كاملة( حتى بداية المعصم) لا تصبَغ بالحناء، إنما الأصابع، وربما بعض من راحة اليد وبالمقابل، بعض من ظاهرها، تعبيراً عن الفرح، شعائرياُ.
والطفل الصغير الذي يستغرق في النوم، على هدهدة صوت أمه وأغنيتها، تبقى هي يقظى" سهرانة" تنتظر أباه. إن قول( تنتظرين يقظى" سهرانة" رجوع أبي)، تكون مفردة" سهرانة" مداهمة ومقحمة، أي : زائدة، إذ طالما أنها تنتظر، تكون إذاً : يقظى" سهرانة"!
وكذلك فإن ( حطب موقدك يحترق كاملاً، ويستحيل رماداً، يبرد الموقد، لكن قلبك يستعر يا أمي)، مشهد شعري لافت، لكنه، من جهة المصارحة بمكوناته، ينقلب على شعريته، بسبب إهمال المطلوب: اقتصاد الوصف، والدقة:
يكفيه قولاً( نار موقدك تخمد" تبرد") بدلاً من الجمل الثلاث التالية،( تُرى من لا يعلم أن الحطب الموجود، إن اُشٍعلَت فيه النار، لا يحترق كاملاً، ثم لا يبرد؟)،عدا عن " و"،فهي تثقل على المشهد إيماءةً، عبر تقابل: تعارض جميل، ثم لا يُكتفى بالموقد فقط . أما Êzingên، أي " الحطب" وهو هنا، لا يستحيل رماداً، إنما ardû" الحطب يتلاشى كلياً في النار، وفي الحالة تلك، ثمة تحريف،وسوء تصريف: لأن الحطب هناك، لا يستحيل رماداً، إنما يصبح أشبه بالفحم komer، إذ يُلحَظ المحترَق كاملاً، دون أن يفقد الشكل الذي كان عليه بدايةً.
في المقطع الآخر، مثلاً: عندما يقول على لسان أمه، بصدد الريحان المزروع والذي كان أبوه يحبه ( أبوك، كلما كان يشم رائحة الريحان بعمق، يقول( سبحان الله)، لكم هي رائعة، هذه الرائحة ، هي رائحة الجنة)، الشعر، يلبس دائماً قبعة الإخفاء، ويصر الشاعر كثيراً على نزعه، رغم أنه ينشد قبعة الإخفاء، كما هو ديدن نصه آنفاً: إن عليه، وهو يعبّر عن روعة الريحان شماً، أن يترك الباقي سراً شعرياً، لمتخيَّل القارىء الشعري، لذوقه، عدا عن ذلك، لا أدري من أين جيء بالعبارة الدالة على الدهشة هذه، في ورعها الديني( سبحان الله)؟ فهذه تخص تجلي مفارقة ما، وتساؤلاً، بينما الأب مندمج في الرائحة، لهذا يُكتفى بـ( الله !) ، كما يمكن تخيل ذلك بسهولة.
وفي قصيدة لجانا سيدا Cana Seyda( ماؤك وهواؤك Avûbayên te) والمنشورة بدورها حديثاً، في موقع ( روزافا)، ثمة حديث في الحب، شعف المحب الصوفي لمحبه، وهي تتحدث عمن تهواه، بلغة، لا أظن أن حيويتها الناطقة، بمعروف الشعر الجلي، لا تجهر بموسيقا المشهد التعبيري: الوصفي، إنما الداخل في نطاق الرغبة، في قول الشعر، وتعالي الموسيقى .
ثمة لعب لا يخفي مهارته، مهارة المتخيَّل، في ثنائية الانزياحات الكبرى، حيث المشهد الجسدي، كما هو المميَّز كثيراً فيما هو حداثي، هو الذي يحيل العالم إلى علاقات جسدية، ليقبل العالم إثرئذ، من فيوضات هذا الولع بعمران الجسد، بالحياة المستقاة من رغبة تسمى صراحة:

Dema dest didim te
Giyanê min kesk dibe
Û xaka di bin lingên me de
Kessssk dibe..

Dema tu werî
Ezê keziyên xwe
Vekim,
Bixûrê ji te re vêxim,
Li defan bidim
Û li ziyaretgehên awirên te
Li ber deriyên weliyên tiliyên te
Terîşên hêviyan
Girêdim..

Ezê di sêqorziyên niviştan de
Ayetên bêrîkirina xwe
Binivîsim..
Têkevim xetma şêxên sawa te
Û bi cizba pêrgîna te kevim..

Ezê te bi çavşînkan ji nezera xwedawendan
Birevînim,
Te heft caran bi zemzema mihibaniya xwe
Bişom..

Ezê te bi laşê xwe yê sotî
Bisojim..

Tu yê di buharê de werî
Dema gulhinarên min 
Xwe fêrî bişkivînê
Bikin..
Dema balindeyên lêvên te
Baskên xwe li sînga min
Bigerînin..

Lê eger îsal buhar 
Dereng were
Ezê ewrekî li xwe bikim
Û te bibarînim… 


أوردت هذا المقبوس، تعبيراً عن رغبة، في أن يكون مجالاً للنظر للقارىء، وبغية تشكيل انطباع أكثر حركية ومعنى، ولأنني أتجاوب مع رغبة خاصة بي، في قول ما أريده هنا، ولو أنه لا يماحك الوارد في المقبوس، وإنما يبتغي مكاشفة أكثر للوجه الإيقاعي: الشعري، وهو أن المقبوس ذاك، يكاد يرتعش حياةً، خارج حدود القرطاس، كما لو أنه الشاعرة ذاتها، أو يمثلها، عبر شغف الرؤيا بميعاد الآخر، ولكنه الآخر الذي يكون الشعر ناطقاً باسمه، ولتكون العاطفة مشذبة.
إنما، وكما في المثال السابق، ولو بشكل أقل، ومن خلال العلاقة، بين المقدَّم شعراً، والمعرَّف به استعراض شعر، تكون المفارقة، مثلما تكون الموسيقى تفاوتية: صعوداً وهبوطاً مقلقين، حيث الشاعرة " تتمادى"، كما هو يخيَّل إلي، هنا وهناك، في الاسترسال، وباستحضار مناخ الفولكلوري من جهتها، والبعد الدلالي، وتحويله لصالح المستنطَق الشعري عندها، في مهب لقيا الآخر، دون وعي منها، بأن ثمة آخر" القارىء هنا" في انتظار مقول قولها الشعري بدوره، مثلما أنها بالذات، عندما تكون في حضرة" لقيا" المدنَف به، لا تروم كلاماً، بل يتوارى الكلام، حيث الجذب الشعائري، وقد أُفرِغ من حمولته الطقسية، وألبِس اللازم الشعري، الجذب يحل مقاماً هنا، أي يكون الجسد، وعبر العينين، الناطق الأكبر بمقام العشق المقدس.
بداية تقول :
عندما يمد اليد إلي
جسدي يخضرَُّ
والأرض تحت أرجلنا
تخضرررر..
ثمة توقيع للجسد هنا، وبعد ذلك، ثمة انقطاع عن العالم، فلماذا محاولة وصف الأرض، حيث يترَك أمرها لصاحب الأمر هنا ( القارىء)؟ يتعمق المعنى دون الأخير أكثر.
تُرى لو وضعت مفردة( divebe: ينفتح)، إشارة إلى الجسد، ثم يأتي التوقيع، دون " واو": الأرض تخضر، دون عبارة ( تحت أرجلنا)، إلا إذا ابتغت سيادة ما، أما كان أكثر شعرية؟
هنا لا ألزم الشاعرة، ولا غيرها، في أن تستجيب لمقترَح ما، وإنما أعبّر عن وضع شعري يخصني مكاشفة نقد، ومن خلال الموسيقى، وكيف يمكنها أن تكون أكثر تردد أصداء !
ثم لاحظوا اللغبة الشعرية التالية، والجديرة بالتصفيق الروحي:

عندما تأتي
ضقائري 
سأحلها
البخور 
سأشعله لكَ
الطبول سأدقها
وفي مزار نظراتك
أمام أبواب أولياء أصابعك
شرائح الآمال
سأعقدها
لكن المشكل الشعري، هو البقاء في حالة الدوران، عندما تصدق الشاعرة، أنها حلت في صميم المزار، وليس عليها إلا أن تستمر في ممارسة المزيد من الشعائر المزارية داخلاً وخارجاً، إذ يأتي المقطعات التاليان، مأخوذين بهوى الحالة الأولى، ولعلي لآ أنكر خفة الرؤيا الشعرية لدى جانا هنا، ولكنها، لا تعمل مراسلة تلفزيونية، وتشدنا إليها عبر مشهد موصوف، بلغة الشعر، بقدر ما تحاول شدنا إلى ذات المزار ، باقتضاب، ثم تدعنا هنا، وليس أن تسترسل. إن كل ما أفصحت عنه ببلاغة مكانية، يكون في عهدة ما سلف، وهذا هو الانجرار وراء شغف الذات بما هامت به، ليكون الهيام ، سبباً ما، يضعف علائق الوصل بين ممارسة الانفتاح أكثر، والإتيان بالعجائبي أكثر، حيث يمكن للموسيقى أن تتجاوب أكثر بدورها، مع تنوع المشاهد الشعرية.
أجدني في الأخير، ملزِماً بنفسي، بإيراد المقابل المقترح، للمقطعين الأخيرين، تأكيداً على أن الوارد فيهما، لا يمكثان في المكان، وإنما يرفل المكان بزهوهما كثيراً، أعني موسيقى البوح الشعري، أعني، ما يؤكده الشعر من جهة قيمومته الإيقاعية:
ستأتي في الربيع
عندما خدودي
تتعلم
التبرعم
عندما طيور شفتيك
تلف بأجنحتها 
صدري
لكن عندما الربيع
يأتي السنة متأخراً
سأرتدي سحابة
وسأمطرك !
في مشهد آخر، يعتمد على الإيقاع الداخلي كثيراً ( يراهن شاعره على موسيقى النص)، من خلال الإيحاءات المنشودة، أو المتصورة، وهو مأخوذ من قصيدة للشاعر تنكزار ماريني Tengezar Marînî، وهي ( أغنية ليلة نائحة Strana şeveke giryane)، ثمة مقاومة للذات، في أن ترى أبعد من حدود الحسي، أن تمتد في تجربة المشهد المكاني، أن تقيم الفوارق بين الحسي الجسدي، والحسي الروحي، أن تؤلّب المكان على ذاته، لأن ثمة قهراً معاشاً، وربما هو مشهد قياماتي ما، ولو أنه مصغَّر، كما شهدناه ماضياً، في أكثر من مكان، والشاعر يتجاوز أحداث الليلة النائحة، فالليلة المجازية تمتد جهاتياً، والموسيقى تباشر ديمومتها من الداخل، ولكن الشاعر يأبى إلا أن يدخل في الحيّز المشهدي، ما ينسى أنه إخلال بعقد الشعر، بلبلة للهارموني من الداخل، حيث جلاء المشهد الليلاتي، يعلم المعني أنه يقظٌ بروحه، وليس بجسده:

Roj bilind bû
Bêhêz im
Asîman daket
Û ez çavên xwe vedikim.
Jiyan dikele,
daristan, bajar di nav agir de ma, 
asîman di nav baranê de.
Şev hilmê dikêşe
Helbestvan hest bi pora wê dike, dirêj e, 
peyv dest bi xewê dike, mîna gulek di gulwazeke camî de
kolan bêpencere man.

إن كل ما يصفه، يعني أنه يقظ، أومتنبه، فلماذا يصف نفسه على أنه ( خائر)، لماذا يصف ما هومرئي، أو يمكن ملاحظته، ويقول ( وأنا أفتح عيني)؟ هذا تدخل ، لا تبرير له، إلا إذا كان الشاعر يريد أن يؤكد لنفسه وبنفسه، على أنه هو هكذا، كون الموصوف يحدد مباشرة كيف يكون وأين هو. وربما هو قلق الشاعر إزاء الجاري، ولكن الشعر لا يريد حفل تعارف هنا . لا يريد التشابيه المركّبة ( تبدأ الكلمة بنفسها مثل وردة في أصيص بللوري..). الشاعر يراهن على النهاية، على انسداد الأفق، لتبيان هول الحدث ( الشوارع بقيت دون منافذ)، أي انسدت من الجهات كافة ! إنه بعد آخر من التفجع الشعري، وهو يُري جميله بالمقابل.
أجد نفسي إزاء نموذج آخر، لا يخفي فنيته، في التقاط اللحظة الجمالية، لقول الشعر، والسماح لموسيقى الشعر، في أن تحضر، وأن يتم تخيلها، وذلك من خلال مقبوس، من قصيدة الشاعر غمكين رمو XEMGÎN Ê REMO ، وهي ( طريق العودةÊ RÊÇA VEGER)، والمكتوبة حديثاً، كما يقول تاريخها في الأسفل، مثلما هي منشورة حديثاً في موقع ( ولاتى مه). ولكنه النموذج القلق، والذي يعيش إرثه الذاتي، في المحاورة الذاتية، وحتى بالالتفاف على الحدث الشعري المروي بأكثر من طريقة، ليكون الموضوع المعنون رهينة شروح، هي شروخ الصنعة الأدبية في بناء القصيدة، والتعبير الأمثل عن الذات، التي تسرد لذاتها حكايات منغصاتها كثيراً. ثمة مهارة لدى غمكين في افتناص الموضوع، في إدراك البث الشعري، إلا أنه، وكما يبدو لي، يعرَّف بنفسه شاعراً، ويتصرف ناثراً، أكثر مما هو مقتضى شعراً:


Min nih naskir
Ku li giravek biyanî me
Û ji destpêkê de
Min bûsle şaş kir …
Delîve ya çendî salan
Bi na bûnekê
Te wêran kir …
Li hatina xwe poşman bûm
Û rêça vegerê
Min wenda kir ….


في المقبوس المذكور، يشهر في غربة ذات، وأي مكان ربما يستحيل غربة، يكتشف ضياعاً، يجهد نفسه كثيراً في الوصف والشرح، وأظن ذلك، ليس من شيم المنطوق الشعري، ومتطلبات الموسيقى التي تشترط حضوراً، عبر فتنة الإيجاز، وإيماءات الموجَز، وكثافة المتضمَّن فيه: الآن اكتشفت
على أنني في جزيرة غريبة
ومنذ البداية
أخطأت في البوصلة
فرصة سنوات عديدة
بـ"لا" واحدة
عَدَمتها
ندمت على مجيئي
وطريق العودة
أضعتها
ما يُلاحَظ في هذا المقبوس، وقد ترجمته للتوضيح فقط، هو وجود علة سبئية في المشهد التوصيفي والشرحي، وأعني بذلك، تفكك الجسد الشعري، من خلال علة داخلة، وما يؤدي ذلك إلى هجران المشهد بالذات:
فطالما أن الشاعر اكتشف أنه في جزيرة غريبة، فإن هذا يعني، وببساطة، أن ما أورده لاحقاً، في أكثر من جملة، عبء النص على النص، فهو في جزيرة غريبة، لأنه أخطأ في البوصلة، وهو بالتالي يضيَع طريق العودة ، وهذا هلى حساب عمق المعنى، أي زخم الموسيقى.
وربما في المنحى ذاته، يسعى الشاعر عزيز غمجفين Ezîz Xemcivîn، في قصيدة تحتفي يروح الشهيد الكردي تحديداً، ومن خلال مخاطبة شهيدة كردية، تكون هي بؤرة الرهان الشعري كذلك، ومقتضى وجوب الموسيقى،وهي ( الغزالة الشهيدة Xezala Pakrewan )، وهي منشورة حديثاً، من جهتها في موقع ( روزا آفا)، نعم، ثمة رؤيا مناقبية، رؤية مأثور تاريخي، رثائي، تعظيمي لدم الشهيد، ولكن التحرك داخل فخ الشعور، لا يرصد البعيد المطل على الجهات كافة، لا يستشرف الخفاء: تيمة الشعر، بغيته، حيث التكرار ، ومن ثم الوصف الملحوظ والمقروء كثيراً تداولاً، يعيق الشاعر في تأكيد حاضر الشعر، وحضور الموسقى كصوت يرفع من صمت الكلمات، ويهبها خفة الطيران في المدى الوجداني:




Ho Xezalê..!
rewanên we doza hev dikirin,
Gule û fîşekên kînok 
li hember vîna we tiştek nedikirin..!!
her dilopek xwîn 
li xaka welat mûmek vêxist..
nêrgizên evînê li ser gorên we geş in..
hêsirên sêwiyan,
barîna berxikên mîjo,
û nalîna dilan ji her hêlê de
bûne tekoşîn…

Her çipikek xwîna paqij û zelal
bûye buharek..
Û her rewanekî pîroz 
ji azadiyê re bûye darek…


ثمة جمالية، لها ظرافتها في البداية، ولاحقاً، ولكن ملامسة حد الانطلاق، يظهر أنها تفوّر الشاعر من الداخل، ليهبط بجناحي الشاعر فيه، إلى ضيق أفق المعنى، ويتقيد بالمباشر:
فالحديث عن الدم مطوَّلاً، والبعد الإشهاري للعنف فيه، بات تحصيل تحصيل، إلا إذا أراد الشاعر ما ليس بشعر، أن يحرك الأيادي دون القلوب الحقيقية، دون توتير الرؤية البعيدة المدى، وما يلي الدم مطوَّلاً، بدوره هوتحصيل حاصل ، بسبب المعاودة، وتقليد التقليد المقلّد بدوره، والمشهد الكارئي هو هكذا، إضافة إلى التكرار القائم، كما يقول المقطع الأخير، عدا عن كيفية تصور الآخر: العدو، وهو متمثَّل في ( الرصاص الحاقد)، وكان يكتفى إما بـ gule، أوfîşek، لأن الموضوع ليس الترادف، أو الإكثار لتأكيد اعتبار ما، وربط الرصاص، مثلاً، كما قلت ، بالحقد، لا يعبّر عن نباهة شاعر، وإنما هوانغمار بالعاطفة التالفة للشعر، لأن العدو، عدو، فلا داعي لوصفه، هو، أو ما يعتمده بما هو سلبي قيمياً، إلا إذا أراد الشاعر مجدداً، استيلاد رصاصة موازية، وهذا طعن في الشعر. 
لا أتحدث عن مشاعر الشاعر، أو أمارس تسفيهاً ما، لها، بقدر ما أحاول تلمس فضاء الشعر في كلماته، تحري أثر الموسيقى التي تؤكدها طراوة الألفاظ بتراكيبها، وتعارضاتها الوامضة.
إن أكثر ما يتهدد القصيدة، وينذر الشعربما هوكارثي، هو المعتبَر داخلاً في نطاق ( بطولات وصفية)، أعني الانجرار وراء وهم التصور، على أن القول كلما تم التوسع فيه، صار المعنى أوسع نطاق رؤية، وصار في وسع الموسيقى الانطلاق عالياً، والأكثر إيلاماً لي، عندما أجدني إزاء خميرة شعرية، وقد وضعت داخل كمية كبيرة من العجين، كما هي العلاقة بين الموضوع المفتَتح بإتقان، وتتالي الومضات، منذ البداية، ثم تجلي التعثر.
وأظن مسعود خلف، مسكوناً بهاجس الشعر، ولكنه هاجس محيّر، حين يتملك عليه وعيه للألفاظ ودلالاتها، حين يستعذب اٍهاب في القول، ويخرج الظاهر، أكثر مما هو ظاهر، أي يستعجل النهار، ظناً منه، أنه يمكنه رؤية السماء بصورة أكثر.
في قصيدته ( قرية الغبار ٍ Gondê tozê) والمنشورة حديثاً في موقع ( روزآفا)، نحن إزاء مشهد غباري، كما تفصح الكلمة عن مداها الأرضي، المبلبل بأهليه، ومحنة الكينونة كردياً بالتأكيد.
حيث يتوجه الشاعر مخاطباً، إلى من يعنيه أمره، من يهتم به، وهو يوغل في الوصف، إبرازاً للشعر الذي كلما خطى الشاعر إلى الأمام، تراجع الشعر شعرياً. تُرى هل يحتاج الشاعر، للكثير من المفردات ليعلم القارىء، الآخرين، أن ثمة فاجعة، كما هو وارد آنفاً؟: النعاج التي تأخرت ولادتها- كن غرباء -عن الكلمات- الآمال- عن المحبة....- عن التراب-... لإبراز المأساة.. وسواها من الكلمات الأخرى، تترادف، لتسويق الانفعالي، وفي الوقت ذاته، لإبقاء الشعري أقل مما هو معرَّف به، حيث خفوت صوت الموسيقى من الداخل.
وثمة ما يمكن التنويه إليه، باعتباره منزوع الدقة:
عندما يقول: كانوا يتحسرون على أول العام ( السنة قبل الفائتة)، وهو يستخدم (sala pêrar)، والصحيح الاكتفاء (pêrar)، فهذه تؤدي المقصود بـ( أول العام)، كما نقول (pér,pitîpér : أول أمس، قبل ثلاثة أيام )....الخ، وثمة ما يخص العلاقة بين تمثيل المفردة لما هو جمعي، إذ لا يوجد المبرر الذي يدفع بالشاعر، إلى أن يتصرف، بإضافة ( n(، أو حذفها، بصدد الدال على الجمع، لأنه يمارس إجراء مزاجياً، كما في gotina…- hêviya- darê hinara....إذ لا بد من إضافة علامة الجمع، كما تصرف في مفردات أخرى مذكورة :



Ji şovekî sor…. Sor
Ava lehiya salan diherikî
Gundiyan kirasê xwe diqetandin
Kevokên çengokirî, baskokirî.
Xweziyên xwe bi sala pêrar tanîn
Hîna tu jî ji dayik nebûye
Di sala bûna te de…
Pezê gundiyan virinî zan
Ji gotina…
Ji hêviya..
Ji hezkirinê… ji axê em biyanî bûn
Li ber dîwaran..
Pîrên me dam dikirin
Û bayê payizê pifî hişê wan dikir
Bêhemda xwe dikenîn
Bêhemda xwe digirîn
Û tenê li ber cadan … nava kolanan
Silavên reşikên pîç dijmartin
"Selam û aleykum…. Aleykum el selam"
Kesî nedigot çima darê tiwa bi tenê ne
Kesî nedigot çima darê hinara beravêtîne

وبوسعي أن أتجاوب مع الحدث، ومغ الموضوع الذي يتناول حدثاً كارثياً كهذا، ولكنني، ومن موقف المتفاعل مع الشعري، والتحليق بروح الموسيقى، أجدني مستثقلاً تهويلاً، هو موقف الشاعر الناسج للحدث، ليكون تهويلاً لصق تهويل آخر، وليكون حِداد شعر، وصمت موسيقى.
إن الشاعر أرشف أوسكان Arşev Oskan، لا يشاطر مجايله الشعري فيما اعتمده، من طريقة التذكير بحدث فجائعي، وكيفية أرشفة الحدث، وإنما، تطرَّق إلى جانب آخر، ينظّر شعراً، وبطريقة ما، لما هو معاش إيلاماً، وهو يسهب في تجسبد المعاناة، حيث الوصف لا يخفي خفته، ولكنها الخفة التي تؤخر حضور ذائقة الشعر، مثلما تعيق فعل الموسيقى في التحليق بصوتها، وذلك في قصيدة له منشورة مكتوبة حديثاً، ومنشورة حديثاً في موقع ( روزافا)، وهي تحت عنوان ( أنا ماض ٍ : Ez diçim )، إن إظهار حالات التلوع في ذات الشاعر، وهو في وطن، أو ما يفترض فيه، أنه يمثل الوطن، وما في امتداده تشخيصاً، يظل عملاً وجدانياً حصيفاً، لا يقلَّل من أهميته قيمياً، ولكنه الشعر وحده، والقدرة على مكاشفة الحراك الشعري، وعمل الموسيقى في مكاشفة بلاغة المتخيَّل، من السمات الكبرى، للإمضاء على تثبيت كينونة القصيدة: الشعر، آرشف يُمضي على الوصفي كثيراً، رغم نسبه الحداثي، ولكن السرد العلائقي الوصفي، واستحضار كم ملحوظ من المفردات الزائدة، في تعبيد طريق المعاناة، ليس بسياسة فالحة في تعزيز عنفوان الشعر من الداخل، كما هو المتردد، أو المثبَت في هذا المقبوس:

Li êşên ku bi salan hatibûn meyandin, 
Ez diçim..
Ji zû ve, min dil hebû, li te guhdar bikim û li xwe bigerim.
Ji zû ve, bi binfeş û nêrgizên kenok re nekenîme
Wê bi çûna min re, ewrên buharê xwe giran bikin
Bi awazên te re, wê lêvên xaka tî, di bin wan xunavan de şil bibin.
Wê welat bibe demsaleke buharî û xwe bi me şêrîntir bike.
Wê keskesor bi awazên te re, mîna du birûyan bêne vegirtin.
Her tişt li bendî awazên te bûn, li bendî hatina min bûn.
Ez diçim û nema vedigerim!.


إن مكاشفة اقتصاد المعنى، المعنى الذي يحرّك ما يمكن الشعور به، بنوع من الخشية والخشوع معاً، سليل المعاناة، وليس من شاعر، كالذين مروا معنا، أو أتينا على ذكرهم، إلا ويكون لهذه المعاناة الاستثنائية أثر فالح، أو معمَّق في نفوسهم، والتنوع في التعبير، يظل رهان الشعر، مثلما هو رهان الموسيقى في أن تجلو للعيان الحسي : الأذني.
ولعل مجموعة الردود التي تستثيرها القصيدة، أو كتابة الشعر بالذات، تتوقف على مجموعة عوامل، تتناوب عنصر الشعر: أي نسبة الحضور الشعري في المكتوب شعراً، أو المسموع باعتباره شعراً، من خلال الموضوع، وكيفية طرقه، أو استعراض مكوناته بطريقة تتناسب والفسحة الممنوحة للشعر، وميكانيزم العمل المتعلق بالمفردات المعتمدة، ومناخ الحالة النفسية، وكيفية إقامة العلاقات بين مفردة وأخرى، ومدى جاذبية المعنى المتحصَّل فيها. أقول هذا ، وأنا أشير في هذا السياق إلى فصيدة فدوى كيلاني ( نصوص الغربة)، وبالعربية، وهي منشورة حديثاً جداً، في موقع ( ولاتى مه)، إنها نصوص غربة، وربما تكون نصوصاً تكتَب في مكان آخر، ولكنها تتعنون هكذا، كما هو المقدَّر لها من قبل الشاعرة، حيث يمكن التوقف هنيهة عند مقبوس مأخوذ من المقطع الثاني من قصيدتها، وهو يأتي بداية :
ويبقى الرماد
كما لا يقول
سفيرا
يتطاير .......هكذا
في مدائن قلبي
مشتعلا
اقمارا
على دروب الله
منذ ان نساها 
ذات مصادفة
ليترك تنور امي
يذرف تفاحا في قصيدتي
قرب ارغفة الحلم النهري
وابقى بين يدي اساي
خلف الصراط المرير
منهكة البوح
الهث صوب ظلال المهابة
رحم الامنية في شهيقها الطيني
فاكهةالافول
اغدو
وانا اقدم قرابيني
ننسج حمما
نهديها
عرائس مطرية
باذخة انا في صمتي 
ثمة تراكيب ، لا يمكن التجاوب معها بسهولة، دون اكتناه نوعية العلاقات بين الصور وتداعياتها.
سيكون ثمة ربط بين الرماد واستحالته سفيراً متطايراً، اشتعالاً، والقلب مدائن، وفي الأثر سيكون تنور الأم( أو من تتحدث الشاعر باسمها)، في هيئة البكَّاء، لكنه التفاح المتحصل في قصيدتها، وسرانية العلاقة بين التنور بأكثر من معنى، كما كان الرماد المتحوَّل، وصلته بالتنور فيما بعد، والمكان المدائني، ومن ثم التفاح وسر خطيئة ما، لذة محظورة، دلالية، والأرغفة وارتباطها بالتنور، والحلم طي النهر، في جريانه تاريخاً، وسيكون الإنهاك، من قبل الساردة، والتحويل الرمزي في مفهوم ( الصراط)، حيث المعاناة، وربما الإخفاق في الوصل، وتكوين ما، وبحث عن المخرج من دوامة علاقة متوترة... الخ. إنه ضغط على الكلمات، وضغط مضاعف على القارىء في تلمس الممرات بين الصور وكيفية تلاقيها ، كيفية سبك قيمة جمالية، موسيقى تتشكل، على أثر إدراك خلفية العلاقات القائمة، وما في ذلك من عبء المتابعة، من صعوبة مكاشفة الإيقاع، بسبب تنوع المرادفات عن بعد، وهي متقاربة في أداء مهمة مشتركة ( الرماد- التنور- الرغيف- الطين..الخ)، إنه غموض متعِب في بعض جلي منه، وإن كان متضمناً كشفاً برؤيا شاعرة، وإن كنت أبصر في الكتابة هنا، تتالي ألفاظ، أكثر من تآلف معنى موحد، وفي كل ذلك تكمن تجربة ذاتية، تنفتح على عالم متخيَّل، مختلَف عليه قراءة، وبالتالي اختلاف ترددات موسيقية، بحسب مدى استبصار العلاقات القائمة بين الكلمات : عائلة المقبوس الشعري هنا.
في قصيدة ريحان سرحان Reyhan Sarhan، والمنشورة حديثاً في موقع ( روزآفا)، ذات الصلة بالخوف، ولكنها بشفافيتها تتجاوز مفهوم الخوف، لتحيله موضوع رؤيا شعرية، إنه ذات الخوف( الخوف : Tirs)، الذي يبدد ما بين القلوب ، ويمنع من الشعور بما هو مؤثر، يكون ثمة صراع بين حضور قائمة الألفاظ، والمعاني التي يمكن لها أن تتشكل عبر إيحاءاتها:

Evînên me jî dibin qurbana şermokiyên me
Em ditirsin ji hev re bînin ziman...
Gotina di bin ziman de
Nizanim ji kê û ji bo çi
Em ditirsin!?
Gelo ma em ji nav û hêza
Evînê ditirsin?
Em her dû jî tirsonek in!...
Tirsonekê evînê ne

إن هذا ينطبق على المقبوس من قصيدة للشاعر فتح الله حسيني ، وهي ( أضع يدي على القلب الرقيق وأضحك: Destê xwe datînim ser dilê naz û dikenim)،
وقد نشرت حديثاً في موقع ( روزآفا)، وهي تتبدى أكثر إشراقة ذات شعرية، من الداخل، عبر لعبة المفارقات، لعبة الجميع بين الكلمات، والرهان على الأبقى، فتكون الموسيقى متفعلة أكثر بدورها 
Wiha ye
Jiyan ji kevirên jiyanê
Ditirs e
Û giyan ji dammar ên jiyanê
Dipirs e
Li ber wî kevir î
Kes nizan e çidib e,
Ji pêvî kevir
وحده الحجر القادر على النطق بشهادة الأبقى، الحجر الذي يحفظ الأثر، مثلما الحجر الذي يقاوم فعل الزمن فيه> وما الرهان على الحجر، إلا استفتاء الذات الشاعرة، بجعل الحجر مفوّضه في تدوين الشعري، في تمثيل الشاعر ذاته، وهو يمضي على الحجر بالذات، ومعه موسيقاه المؤكدة. ولعلي عندما أؤكد جوانب إيقاعية معينة، ومن أخلال أمثلة، من هذا النوع، فللتنويه، إلى أن الشعر لا يقال في كليته، بقدر ما يشار إليه، بقدر ما يبقي الشعر هذا ، حتى وهو جلي المعنى، كما يقول ظاهر الكلمات، الكثير من خصاله الجمالية داخلاً، وتكون موسيقاه مسموعة في صمت، في ثمالة معناه، وهذا يتوقف على مدى تحرر الشاعر من سلطة الروتين اليومي، بقدر ما يتواصل- بالمقابل- مع سلطته الذاتية، مع هاجس اليومي، مع مستجداته، ويمارس ترجمة تجلو ذاتيته الخاصة، بحيث يقف القارىء أمام مفهومه العصي على التعري، كما هو المنشود مباشرة. وكما في مشهد لافت بتراكيب صوره داخل مشهد شعري، ليس المتخيل المباشر، كان قابلته الأدبية، وإنما القدرة في وعي العلاقات القائمة بين الممكن الواقعي، والممكن الشعري، من ناحية المباغتة في التركيب، وهو يخص الشاعر حسين حبش المعروف في كتابته بالعربية، وها هو يقيم صلة وصله في الجانب الأوسع فيه، باعتماد لغته الكردية، في قصيدته ذات الغرابة في العنوان ( ثلاث حلمات : sê memik)، والمنشورة حديثاً في موقع ( روزآفا)، فالبنية التركيبية تقومعلى طرح المفارقات، وإيلائها قيمة جمالية، تتبدى تدريجياً، من خلال العلاقة الخفية:

Jinek bi sê memika ye
Mirovekî serê xwe 
li ser Sînga wê
Ji bîrkir bû.


ثمة وله بالأنثى، لكنه وله أهم، وأوسع بالشعر، وبقدر ما تشير الأنثى إلى هذا الوله في علاقة تتجاوز نطاق اللغة، بقدر ما يحيل الشعر الوجودَ ذاته، وفي العمق، بكائنه إليه، مموسقاً. الشاعر في الحالة هذه، لا يسأل ما إذا كان الآخر، يريد استفساراً أم لا، إنه يحاول العيش في مربع اللاتناهي، مسلّماً روحه ليقين شعر، وحده يمكّنه من تقرير مصيره شاعراً يستمر، أو لا يستحق لا الاسم المرغوب، ولا الصفة التي يطلقها على كتابته كونها شعراً، كما هو المقروء الخفي أكثر من المقروء لغة، وأعني بذلك، الشعور بأن ثمة الكثير الكثير، طي القليل القليل. وفي وضع كهذا، قد ينطلق أحدهم، تحت تأثير هاجس ذاتي، وباعتباره شاعراً، ولأنه لا يقيم روابطه المحمية بلغة الشعر، في أهبة الكلمات التي تتطلب المزيد من التأني، المزيد من الصمت الروحي لتلمس صوت الموسيقى، بلاغة المردود القيمي – الجمالي، يبرز اليومي الظاهري حائلاً دون صعود وجه الشعر بالطريقة التي يتمناها، أي يتقدم شاعراً باستمرار. أقول هذا وأنا أِشير إلى قصيدة لا تبدو حديثة في تاريخ كتابتها، وإن ظهرت حديثة نشراً، وفي موقع ( ولاتى مه)، وهي ( علمت أنك ستأتين: Min zanî bû tê bê)،للشاعر Bihrî Bênij ، وهو يشدد على بُعد كفاحي في الحياة، وكان يجب وضع العنوان هكذا( Min zanîbû ku tê bê)، كون الحدث مستقبلياً، وهذا يعني الخروج من لغة اليومي، ولكنه، وكونه ينخرط في تيار المشاعر، وربما يتصور المحيطين به، وهم يأملون منه المزيد من الوضوح، يمارس التفسير والوصف كثيراً، فطالما يعرف الشاعر أن مناضله سيكسر باب الزنزانة، لا داعي ليشير إلى تخلصه من عائق السور/ الجدار، والقيد، رغم أن مفردة ( Piçirînî) المستخدمة في الشطر الثاني من المقبوس، غير دقيقة إطلاقاً، فهي تعني ببساطة( ستمزق)، والتمزيق لا يطال السور أو الجدار أو القيد، إنما يخص التجاوز أو التحطيم، والتمزيق يتركز على القماش ومعادله. والكثير من التواليات تبعات اللحظة الأولى، وفي مضمار شعورها الذي يحيّب أمل الشاعر في بروز القصيدة: الشعر، حضور المعنى الشعري، والأكثر من ذلك، حين يكون الجانب الكفاحي هذا متركزاً على المحبوب بالذات، وما تعرَّض له من أذى واستبداد أهليين، أي أن علاقة حبية، هي التي سبب كل هذا التصعيد الاستنفاري، وهو تصعيد أفقدَ الشعر شعريته، لأن انتشار المترادفقات، هو العلامة الفارقة لوأد روح الشعر حياً.

Mi zanîbû tê derê zindana xwe bişkînê..
Mi zanîbû tê bend û qeydan biçirînî tê bê..

Di şikefteke bin erdre mabê tê bê
Min zanî bû berê te li mine …

Çimkî bê xatir xwestin ti çûyî..
Çimkî ti birin, ti dizîn ji hembêza min..
Te firotin dûriyê..
Ti veşartin ji min ti dane biyanê..



ويمكن أن أشير إلى أمثلة أخرى، ينطلق أصحابها، من تصور تقليدي، بات فولكلورياً، كما يبدو، في المشهد الشعري الكردي المتصدع اًي باعتماد القافية، كما لو أن الموسيقى حاضرة بحضورها، وأنا أورد مقبوساً لعلي كولو Elî Kolo، باسم ( ثمة يوم : Heye roj)، وهو منشورحديثاً، في موقع ( ولاتي مه)، حيث نتلمس الكثير من الخلط بين الصور، وفقدان الدقة في الكتابة، والانجرار وراء العاطفة التي لا تقيم وزناً لوزن الشعر نفسه، ولا لروح الشعر في كثافتها، وما تكونه الموسيقى، كما لو أن المزيد من الأوصاف، يحصّل المزيد من الألطاف في الشعر. إن حشد كلمات تترى في نطاق موضوع معين ( تلوعي هنا)، لا يشفع للشاعر قبل سواه، في أن يؤكد شاعريته، أن يبرزموسيقية المؤتى به، ووسمه شعرياً، وكما تقول بنية المقبوس هذه: 



Silav li te kulĕ min *** Di vĕ reşaya bĕ bil
Şewqa rojĕ nemaye *** Tarî bũye weke kil
ev îna min barkirî *** hĕviyĕ min bũne kul
çîmenĕ mintevde man *** bĕ beybũn ũ bĕ sorgul
lĕ dizanim heye roj *** wĕ vegere ew şemal
çem ũ cobarũ xunav *** wĕ geş bibe
pir zelal reşî ji vir barbike *** nema dimînim bi kul

وينطبق القول السالف على نموذج آخر، حيث المطلع، رغم كلاسيته، يشهد بالمتابعة، ولكن المتابعة، تبدو ممانِعة، كون التالي، ملحَقاً بالسابق، وصفاً على وصف، أو تكراراً له بصورة ما، كما في مقبوس لسيمكو Simko، منشور حديثاً في موقع ( ولاتى مه)، وتحت عنوان كلاسي بدوره ( حديقة الفاتنات Baxê dîlbera l)، كما لو أن المزيد من التكرارات، يضفي على المشهد المتصوَّر قيمة جمالية أكثر. إن التذكير بمفردة ( الحديقة)، يكفي لاستحضار كل ما جاء لاحقاً عن جمال الحديقة: شجراً وثمراً وطيراً وبهاء منظر.

Evjî baxê dîlberaye bilbilo têde bixwîne

Rengê dara tê de şîne pirpirî her lê civîne
*********
mûm û findê perî cana li hawîr dorê ronîne

wê çi çêbe gelo carek li bexçê min jî bi xwîn


ما يتجاوز المثال الواحد:
بصدد ما أثرته سابقاً، يمكن ممارسة مقاربة أكثر، من خلال أكثر من مثال، لشاعر واحد، وكيفية يكون انبناء العالم لديه، عبر مقارنة ضمنية، بين مجموعة من الفصائد.
هنا، أتوقف عند ثلاثة نماذج متفاوتة قيمةً شعرية، ثمة نموذجان بالعربية، هما ديوان ( قوافل المطر) لأفين شكاكي Shkakî Evîn، والمنشور منذ سنة ، ونيف، والآخر، صادر حديثاً، وهو ديوان ( ابنة الجن) لشهناز شيخه، أما الديوان الثالث ، فهو بالكردية، فهو منشور بدوره حديثاً، وهو ( مهرجان الدم : Festîvala xwînê) لكرديار دريعي Kurdyar Dirê,î.
يمكن للقارىء المتتبع لحركية العلاقة بين بنية الكلمات وكيفية إقامة شعائرها الشعرية، وتميزها عن سواها، في المجالات الأخرى، وأي موسيقى تتآلف في أثرها، يمكنه أن يتلمس الكثير من حدود صدى النص الشعري، والأفق الذي تتحرك صوبه الموسيقى.
تبدو الشاعرEvîn، في متضمناتها الشعرية، شديدة التفاوت بين نص وآخر، أو قصيدة وآخرى، وهي مختلفة طولاً وقصراً، حتى ليذهب الظن بالقارىء بعيداً، إلى أن حقيقة الشاعرة، هي فيما أورته بداية، بوصفه أقرب إليها، ومنذ لحظة العنوان، وأكثر تمثيلاً ذاتياً لها، وأعني بالتفاوت، ليس الجانب الشكلي، وإنما حدود الرؤيا الشعرية، هذه التي تباغت القارىء، ومنذ أول قصيدة، بما لا يكون شعراً، وهي تعتمد القافية، كما لو أنها تعرّف بذاتها عالمة بالوزن بالمقابل، وهو أثر، مؤطَّر ليس بسوء فهم متوارث فقط، وإنما بسوء إدارة ما للمتوارث، ولخاصية الوزن ، ومدى ارتباطه بالموسيقى. في قصيدة ( عيناك)، وهي الأولى كما ذكرت تقول :
عيناك مطر غامض
العيش فيها ولادة
الوقوف أمامها
تراتيل حب وعبادة
اعذرني
إن نصبت أمامهما خياماً
لابتساماتي
لأنها منذ زمن في تشرد،
وضياع وإبادة. ص 9.
هنا يكمن وبال الأثر الشعري، إذ ما عدا أول جملتين، لا يبدو الاستقرار ميسماً للقصيدة، عدا عن الخطأ في التركيب اللغوي ( فيها: فيهما-أمامها: أمامهما)، والتكرار، فالتذكير بالولادة، يمكن أن يستثير الكثير من الصور في متخيَّل القارىء، ولكن تماهي الشاعرة مع ذاتها، مع مشاعرها المندلقة، أفقدها توازن المعنى، أو تجلي الموسيقى المنشودة، ولو نسبياً، والقافية بدورها، أضفت على النص بعداً خدمياً سلبياً، بلبل العلاقة الشعرية أكثر، كما لو أن نظماً خالصاً يتبدى هنا.
وفي المشهد الأخير، لماذا إيراد ( التشرد والضياع والإبادة) معاً، حيث مفردة( التشرد) تفي بالمعنى كثيراً، عدا عن أن مفردة ( إبادة) إقحامية اجتثاثية، وتحت إلحاح وزن متوهَّم هنا.
وهذا ما يمكن تلمسه في قصيدة ( قوافل المطر)، أي القصيدة التي تعنون الديوان بها، وخراب المعنى أقل، ولكن الهوس بالقوافي، يبرز مطيحاً بكل جمالية ممكنة:
خيم الصمت بيننا زمناً طويلاً
دون أن ينكسر
قال دون أن يتكلم:
سامحيني إن عبر طيفي مساءاتك
دون جواز سفر،
واستوطن الحزن في قصائدك
وتبختر.... الخ . ص 13.
ثمة اعتماد لقافية، في غير محلها، لعدم لزومها، لعدم وجود وزن ( بحر ما)، وكونها غير مؤدية للمطلوب ذاته، بالعكس، جاءت تثقل على المعنى.
تُرى ماذا يحدث لو جاءت البداية هكذا : الصمت خيم بيننا طويلاً طويلا؟
لا لزوم لذكر الزمن، فهو محسوب، ولا لزوم لذكر ( دون أن ينكسر)، لأن الشاعر لا تشرح ما هي فيه.
وماذا يحدث لو أنها كتبت ( قال صمته) بدلاً من ( قال دون أن يتكلم)؟
وما دور حرف جر ( في) السياق المذكور، سوى أنه يضعف ما هو إيحائي في الجملة؟
ثمة مفارقات الصور، وتناغمها، لا يُعلَم لماذا الشاعرة، لم تكتشف الصدع الكبير، بين ما أوردته سابقاً، وما هو وارد في قصائد أخرى، تشهد على شفافية ملموسة : إيقاعاً وتخيل موسيقى، كما في ( حين أراك):
لماذا حين أراكَ
تنثر على جرحي الحنين ؟
تستعير من شفاء الفجر وردة.
ونصبح عاشقين
في ضيافة المطر . ص 33.
إن هذا التفاوت الكبير، والملحوظ، بين قصيدة وأخرى، يثير الظنون، بما ليس في مصلحة الشاعرة، ولا أعنيها وحدها هنا، بل أغلبية الشعراء الكرد، من خلال قراءات لنصوص أخرى، وكيفية الكتابة في ظلها، وأخص بالتذكير، من يعرَفون عبر رصيد أنترنيتي بداية.
شهناز شيخة تبدو أكثر تناغماً مع ذاتها، وسيطرة على كلماتها التي تكون فصيدتها، وإن تجلى لجوءها إلى الغموض، مقلقاً من جهة الالتباس في المعنى، أي في المبتغى من اللعبة اللغوية، وهذا له تأثيره على البعد الإيقاعي، على التردد الموسيقي في المحصّلة.
كما في أول قصيدة ( شهرزاد)، وكيفية الحديث باسمه، من الداخل:
صرخة تتلاشى بين البحر والشفق
دموع الشمس يجلدها الغروب
شراب النار في شفة الزمن
أنا ... نورس الشرق
الراقص فوق زوبعة العذاب
زبد يهيم فوق رهبة المحيط
فوق الوجود.... الخ . ص 11.
ثمة بحث عن صور غير اعتيادية، وإن كان في التوليف، ما يستجوب المساءلة، عن مدى التصويب في التركيب، مدى اختراق المألوف، لتكون الموسيقى، في حدود المتخيَّل قيمة.
وربما ظهرت شهناز، مستجيبة لنداء روحها اليومي، أحياناً أكثر من روحها، في الجانب القصي مما هو يومي، أي : ديمومة الشعر، في قصيدة ( موت)، تقول:
هكذا... دون مقدمة
تماماً كزوبعة في الفراغ
تخترق عمق وجودي
تمضي عبر بوابة قلبي
جرحاً...
يغتال أحلامي البرئية. ص 21.
أرى أن ثمة إيقاعاً، يتلون، من خلال تردد الكلمات، بين اليومي والميتايومي: المباشر وخلافه، ويمكن توقع رنة الموسيقى عبر ممارسة شعرية من هذا النوع، ولكن، لو تم تشذيب للوارد قليلاً، لمارس القول فتنته الشعرية أكثر:
... دون مقدمة
كزوبعة في الفراغ
..........
يغتال أحلامي ..
ربما، تقديراً مني، على أن القارىء، متروك له مجال أوسع، للمضي مع ما لم تسمّه القصيدة بعد، أو أكثر، ليكون له دوره في تلوين الخفي، إثر الكلمات المنثورة على الورق هكذا .
إن مفردة ( هكذا) ذات القيمة النسخية، تطوق المتخيَّل كثيراً، وتبقي الطريق سالكاً أمام الشاعر وحده، أو الشاعر هنا، ليكون القارىء تابعاً، وتكون طاقة المتخيل أجدى، في مسارات عدة.
ففي ( عصافير الشتاء)، ثمة رونق في الكلمات، أعني تجويد في الصتعة، وحس رؤيوي بالآخر:
أحبك ..
... هكذا تقول أصابعنا
عند كل لقاء
أحبك ..
هكذا ..
يقول ..
البريق المتفجر
.. في عيوننا. ص 76.
تلعب النقاط المتتالية دورها، في التأني، أو في خلق انطباعات، كما لو أن فراغاً ما، يفصل بين بروز حالة، بوتيرة ما، وأخرى، بوتيرة أخرى، وتصور الموسيقى، في منحى إيقاع الكلمات، يتجلى من خلال توزيع الكلمات والفراغات المعمولة، ولكن ، أليس وضع ( هكذا) جانباً، يضفي على انسيابية الكلمات حراكاً دلالياً أكثر شافية ؟ إن فضاء المعنى يتعمق أكثرهنا !
في ديوان كردياردريعي، بقدر ما يختلف الوضع، يكون مساوياً لما تقدم، لأن الاختلاف هو في اللغة، وما إذا كان اعتماد مفردة دون أخرى، يجري ، بوعي جلي، بمناخاتها الدلالية، أو الوظيفية، أم لا، رغم أن هذه الصفة، موجودة، في كل ممارسة لغوية، ولكنني أتحدث، عن الكردي، حين يقيم علاقة ثقافية، شعرية، مع لغته، وكيف يؤرخ للحظة ما من حياته، بجعل لغته لغة شعر، أو حين يتحدث بلغة أخرى، وهو الكردي، كما أسلفت، ويطعَم اللغة، بحضوره شاعراً شاعراً، وهو هنا، يوشح ديوانه بالدم، وأظنه عنواناً ينز عنفاً، والمهرجان مخدَّم باسمه.
ثمة معايشة لما هو شعري، ولكنها تتطلب المزيد من التجمهر داخل الذات، التقريب بين سلسلة النسب الخاصة بما هو شعري، باعتماد كلمات تتعاقب، دون تتعاقب من ذات الشعر.
في القصيدة الأولى ( أيا ليل Hey şev)، ثمة انزياح إيقاع، تلكؤ المعنى في الربط الدلالي:
Bê denge şev
Sitêr disincirîn
Perçeyên ewran li asoy
Hin sor … Hin tarî
Di bejna şevêde
Avjeniyê dikin. R:5
نعم، ثمة حركة، لها صداها الحسي في المقبوس السالف، ولكنها حركة لا يمكنها أن تخفي ما هو حسي مختل فيها بالذات، إذ كيف تكون الغيوم ملحوظة، تغطي السماء، وتكون النجوم مشعة مرئية؟ هذا خطأ لم يفكَّر فيه، وإنما كان هناك تلبس بالحالة، وعدم مراعاة لخاصية الصور ومنطقيتها واقعاً .
كرديار، لديه رغبة داخلية، في أن يكون شاعراً، وثمة حضور لنفس الشعر، خلل كتاباته، ميل إلى الإيقاع، أو ذائقة الشعر الذي تحدده صياغة مسترسلَة من الكلمات، وإن كان في العديد العديد، مما يصيغه أطياف شعراء آخرين، وإن لم يُسموا، أي أن ثمة نوعاً من التأثر الموضوعي، وحتى التركيبي بما قدمه آخرون قبله، وهو يجهد، في أن يكون المدوَّن أثره، موسيقاه المنبثة، كما في قصيدة ( ندم : Poşmanî) ، حيث يقول :
Ji min re digot:
Tu li kube
Tê li min vegere
Dilê yekemîn
Maça yekemîn
Kî dikare ji bîr bike …?!R:82
ويمكن الإشارة إلى قصيدة، تكون أكثر تذكيراً، بصدى أصوات آخرين، حيث حضور الآخر الشعري، وإن تمت محاولة تركيبها بطريقة ما ، مختلفة، لا يمكن تجاهله، وبالتالي، تتركز الموسيقا خلف الستارة، أعني، تأخذ حركتها، من حضور موسيقي آخر.
أشير هنا إلى قصيدة ( فكرة Ramanek):
Peyalek mey
Yarek rû li ken
Tembûrek zîz
Qutyek tûtinê
Hêlînek biçûk
Besî jiyanamine
Û hinek azadî
Xweş tir dibe . R:150.
القصيدة بكاملها، تستعيد معها، ما كتبه الشاعر الكردي كوران عبدالله Goran1904- 1962، وفي قصيدة يقول فيها :
كردي .. وكيس تبغ..
حفنة زبيب.. وبندقية..
ثم صخرة..
وليأت العالم..
كل العالم
( انظر : كَوران عبدالله شاعر كردستان الخالد، إعداد: محمد علي توفيق، ط 1990، ص95).
مع الفارق الجلي، حتى في الإيقاع المتخيَّل، ومنحى الإيقاع هذا، بسبب بنية القصيدة.
كوران، يقيم في قلب العالم، وكان هذا دأبه قبل نصف قرن تقريباً، يعيش تحدياً متعدد الجبهات، وكرديار، يقيم في الداخل( وهذا ليس مقارنة، وإنما إبراز علاقة مختلفة، وكيفية ترتيبها)، ليقدَّم قدح الشراب أولاً، ومن ثم فتاة بهية، وطنبور صداح، وعلبة تبغ، وعش صغير، يكفي حياتي. وقليل من الحرية، يكون أطيب.
العبارة الأخيرة شرح يفسد الإيقاع الذي يترجم حيوية الداخل، هذا الداخل الذي يظهر لعيان القارىء ما عليه القائل.
وكان يجب البدء بالداخل أولاً، إن أردنا منطق مكان : عش صغير، وما يتضمنه.
وثمة تفهم ضرورات المكان والزمان، وأعني مكانة ( علبة تبغ) في القصيدة، وصاحبها ثمل بالشراب، وداخل في حداثة المكان، إنها غفلة طاعنة في ذات القصيدة.
وبالوسع المضي أكثر، مستعيناً بأكثر من مثال، ولكن، وكما نوَّهت، ما أردته، هو أن الشعر ولكي يكون شعراً، أن تكون موسيقاه من صميمه الروحي، يتطلب وعياً مركزاً، ليكون الصوت المسترسل صوت شاعر، وحده الإيقاع يتكفل، بتجديد معناه في الزمن، إنه الإيقاع الذي ينبثق من كليانية الجسد اليقظ للشاعرسرمدياً، وإلا فلا نامت أعين الشعراء كافة !
أقول هذا، وأنا أترك باب المثار مفتوحاً على مصراعي النقد ونقد النقد طبعاً، وإمكانية العودة لاحقاً، إنما – ربما- في مكان آخر، ولكن الذي يمكنني قوله، ومن خلال ما تقدم، هو التشديد على مفارقات العلاقة بين مدى اهتمام الكرد بالشعر، والوضع التشرذمي لهم، بأكثر من معنى، مدى تولعهم بالشعر، أكثر من أي فن قولي، كتابي آخر، حتى وهم في أمكنة متباعدة، كما لو أنهم بذلك يؤكدون ويؤكدون انتماءهم للعالم، بالطريقة هذه، هم والذين يؤكدون تجاوبهم الشعوري مع ما يقولون أو يكتبون، على أنه الشعر الشعر، ومدى تفجعهم في وضعهم الشعري المختلف.
أقول هذا، وأنا أستعيد ما أثاره الباحث السعودي عبدالله الغذامي، في كتابه ( القصيدة والنص المضاد- منشورات المركز الثقافي العربي، بيروت ، 1994)، وفي فصل ( جماليات الكذب)، مبيّناً كيف أن الكذب، وكما رأت العرب، كمصطلح، يعني الشيء ونقيضه( ص 115)، لهذا تم الربط بين الشيء الأكثر جمالاً، بقدر ما يكون الأكثر إيغالاً في الكذب، وعليه أختم قولي:
والكرد بدورهم يتصرفون هكذا، وأعني به شعراءهم، وأحدد أكثر مَن أشرت إليهم، ومن يرادفوعهم بصور مختلفة، ممَّن لم أسمّهم، ومن ينفعلون مع انفعالهم، ولكنهم يستسهلون أمر الكذب، وفي الشعر هنا، كثيراً كثيراً، ربما أكثر في نصفه الآخر، سواء فيما يعتبرونه إبداعهم الذاتي، أو بتأثير قراءات أخرى، دون الكشف عن ذلك، أو كونهم لا يصرّحون بكذبهم الشعري هذا، ومدى تناقضهم في هذا المضمار، وذلك أمر، له صلة بعمق الخبرة الحياتية، بحكمة البصيرة، بشجاعة الاعتراف بالواقع الذاتي، برحابة الرؤية الروحية لمأثورهم الجماعي والفردي، ولهذا، يظل الأجمل في انتظار أكثرهم .....!!!!