عن الشعر ونثره
ملف عن ملتقى قصيدة النثر الأول الذي أقيم في البصرة أواخر العام الماضي
نحن امام ظاهرة ادبية اسمها قصيدة النثر والمقصود بها الشعر المكتوب نثراً لا نظماً. هي ليست ظاهرة محدودة لكي نغض الطرف عنها. هي ظاهرة تتسع كل يوم (واعتقد انها اول محاولة لتأميم الشعر في التاريخ بعدما أُزيلت شروط الكتابة وضوابط الصياغات الرسمية الإ شرط واحد هو شرط الثقافة الحديثة، الذي إن فُقِدَ في الشعر، فليس الشعر جديداً.لدراسة الظاهرة لابد من الاقرار اولاً بأن الاشكال الفنية كلها تتغير او تتطور وان المستقبل لا يزال لديه ما سيفاجئنا به. وعلينا ان نرتضي بحقائق الحياة ما دمنا احياء.
ولتأصيل الظاهرة او ايجاد اسس علمية لها، ليس صحيحاً ان نجاري التيار فنقول بما يقال ولا ان نرفض الجديد فيكون القديم سندنا ونحن نريد التحرر منه. الرفض القاطع لا يشرف كثيراً من يريد الانتماء الى المستقبل. ان رفض الجديد في بعض صوره، ضد التقدم.
حين افكر في الظاهرة، اعني ظاهرة قصيدة النثر، أجد ان الإشكال الابرز فيها او حولها، هو انها خرجت على قوانين النظم الشعري، او الايقاع الرسمي لتعتمد النثر. واسباب ذلك كثيرة منها روح التمرد التي تسود في العالم، وقراءة الشعر الاجنبي المترجم نثراً، والتحول المهم في الثقافات الجديدة ومنطلقاتها، او تطور الحياة، مما استدعى تطورات فنية وفكرية فصارت القصيدة تعمل بمخيلة جديدة واساليب جديدة اي بعقل آخر مختلف ...، وان كنت ارى ان السبب الاهم من هذه الاسباب هو ترجمة الشعر الاجنبي الى العربية نثراً فيُظنّ انه كذلك في اصله والحقيقة هي ان اغلب الشعر الاجنبي له ايقاعاته وقصائد النثر فيه ما زالت قليلة. خذ مثلاً اعمال " ريلكه " الشعرية التي ظهرت مترجمة الى العربية باربعة مجلدات، ليس فيها غير اربع قصائد نثر. ولكن المجلدات الاربعة ترجمت كلها نثراً وهكذا...
مهما كانت الاسباب، صارت كتابة الشعر نثراً. وانا في محاولة أُريد ان أُخضع هذه الكتابة – في إشكالها الابرز- الى التحليل العلمي. اقول " الى التحليل العلمي" لأن الدراسات الادبية ما عادت إنشاءً وحماسات. العلم اليوم وراء كل حقول المعرفة والابداع. الادب والتاريخ والفنون واللغة.. الادباء السوفيت قبل اكثر من نصف قرن اسموا الادب " علم الادب " وأُذكّر بكتاب " نظرية الادب " ترجمة د. جميل نصيف، فقد جاء على غلافه " ألفَتْهُ نخبة من العلماء السوفيت" كل بتخصصه: في الشعر، في النقد، في الرواية، في الدراما وفي الملحمة.
لهذا وانا ادرس الايقاع، لم اقتنع بمصطلح " الموسيقى الداخلية ". هذا المصطلح ايهامي، غير ملموس ولا يستطيع احد ان يتفحصه. ما هي الموسيقى الداخلية؟ هل هي جو القصيدة، atomosphere؟ هل هي المزاج او مايسمى بالانكليزية mood ؟ هل هي حركة ايحاءات المعاني او السياقات اللغوية؟ لا احد يحدد لك بالضبط ما هي الموسيقى الداخلية.
ما توصلت له هو ان المضامين القديمة والمخيلة الشعرية القديمة لا يظهر جمالياتها إلا النظم الموزون. كما ان الجديد لا يحتفظ بجماليته الا في الصيغ الجديدة. فنحن لا ننسى ارتباط الشكل بالمضمون وهو من مبادئ المعرفة الادبية.
قبل ان ننتقل الى التطبيق لابد من القول ان موسيقى الشعر ببحوره وأوزانه، مكسب فني تحقق عبر العصور، لكنها صارت اليوم مسألةً أدعى للإعاقة في نظر بعضهم وموضوعة للتجاوز. وهذا الرأي يحتاج الى متابعة علمية متأنية للتثبت من صحته او عدمها. فنحن لا نعتمد قول من يجهل النظم من الشعراء وان كانوا مجيدين في كتابة النثر، لكننا أميل لرأي المتمكنين منه.
وانا، محايداً، ولأني اكتب نثراً وشعراً موزوناً. اردت ان اصل الى حكم صحيح. فارتضيت أبياتاً حاولت نثرها لأرى المعنى في حال النثر والمعنى نفسه في حال الشعر: لكم هذا البيت لأبي تمام وهو من (الكامل).
ليس الحجابُ بُمقصٍ عنك لي أملاً
إن السماء تُرجّى حين تُحتَجَبُ
فلنضع صيغاً نثرية لشطره الأول تعبر عما اراد الشاعر .
1. الحجابُ لا يقصي أملاً لي عنك.
2. ليس الحجاب مقصياً أملي عنك
3. املي لايُقصيه حجاب عنك
4. لا حجاب يقصي عنك أملي.
أي مرهف حسٍ وذائقة، أي بلاغي، يعرف فنون الكلام ومحاسنه وحسن صياغة الجملة واتساق ألفاظها، سيحكم بان الصيغة الشعرية التي جاء بها ابو تمام هي الفضلى وهي الحسنى.
هنالك منحى آخر للكلام: هو اننا اخذنا صيغة الشاعر ونثرناها، ولو ان الشاعر كتب من البدء نثراً لتمتع بحرية تعبير وجاء بسوى هذا النسق وسوى هذه الألفاظ.. وهو اعتراض في مكانه اوافق المعترضَ عليه. ولكن لنحاول صيغاً مبتدَعةً لذاك القول تتضمن المعنى:
1. ليس ما يبعد أملي عنك
2. يجتاز أملي بك كل حجاب
3. لايحول دون أملي بك عارض او مصدّ
4. أملي موصول بك ابدا
5. بحضورك حاضر ابدا أملي.
هذه صيغ مقترحة حافظنا في المثال الأول والثاني على جو المعنى وحدوده وتجاوزناهما في الأمثلة الثلاثة الأخيرة متمتعين بحريتنا في التعبير والتغيير، فاضفنا، وغيّرنا، الفاظاً.
شخصياً، لا أرى من الصيغ الأربع الأولى صيغة أفضل من الصيغة الشعرية التي قال بها ابو تمام:
ليس الحجابُ بُمقصٍ عنك لي أملا
وقد تكون الصياغة الخامسة من امثلتنا النثرية وهي " بحضورك حاضر ابداً املي " ذات فضل وامتياز، وهذا في رأيي، متأتٍّ من انها اقرب للصياغة الشعرية ويمكن تقطيعها:
بحضـورك حـاضر ابـدا أمـلي
بحضو رِكَحا ضرٌأبدا أملي
فَعَلٌ فَعَلٌ مفاعلتنٌ فَعَلٌ
لنأخذ مثالا ثانيا، هذا البيت للمتنبي من (البسيط)
ضمَمْتُه ضمّةً عدنا بها جسداً
فلو رأتنا عيونٌ ماخشيناها
لنُعِدْ كتابته نثراً
1. ضمَمْتهُ حتى عدنا جسداً فلا نخشى العيون
2. ضممتُهُ اليّ فصرنا جسداً واحداً لانخشى أن يرانا احد.
3. حين ضممته اليّ ما عدنا جسدين لنخشى.
4. شخصاً واحداً صيّرنا العناقُ فلاخشية بعد.
5. ضممته إليّ، ما عدنا اثنين لنخشى ...
ملف عن ملتقى قصيدة النثر الأول الذي أقيم في البصرة أواخر العام الماضي
نحن امام ظاهرة ادبية اسمها قصيدة النثر والمقصود بها الشعر المكتوب نثراً لا نظماً. هي ليست ظاهرة محدودة لكي نغض الطرف عنها. هي ظاهرة تتسع كل يوم (واعتقد انها اول محاولة لتأميم الشعر في التاريخ بعدما أُزيلت شروط الكتابة وضوابط الصياغات الرسمية الإ شرط واحد هو شرط الثقافة الحديثة، الذي إن فُقِدَ في الشعر، فليس الشعر جديداً.لدراسة الظاهرة لابد من الاقرار اولاً بأن الاشكال الفنية كلها تتغير او تتطور وان المستقبل لا يزال لديه ما سيفاجئنا به. وعلينا ان نرتضي بحقائق الحياة ما دمنا احياء.
ولتأصيل الظاهرة او ايجاد اسس علمية لها، ليس صحيحاً ان نجاري التيار فنقول بما يقال ولا ان نرفض الجديد فيكون القديم سندنا ونحن نريد التحرر منه. الرفض القاطع لا يشرف كثيراً من يريد الانتماء الى المستقبل. ان رفض الجديد في بعض صوره، ضد التقدم.
حين افكر في الظاهرة، اعني ظاهرة قصيدة النثر، أجد ان الإشكال الابرز فيها او حولها، هو انها خرجت على قوانين النظم الشعري، او الايقاع الرسمي لتعتمد النثر. واسباب ذلك كثيرة منها روح التمرد التي تسود في العالم، وقراءة الشعر الاجنبي المترجم نثراً، والتحول المهم في الثقافات الجديدة ومنطلقاتها، او تطور الحياة، مما استدعى تطورات فنية وفكرية فصارت القصيدة تعمل بمخيلة جديدة واساليب جديدة اي بعقل آخر مختلف ...، وان كنت ارى ان السبب الاهم من هذه الاسباب هو ترجمة الشعر الاجنبي الى العربية نثراً فيُظنّ انه كذلك في اصله والحقيقة هي ان اغلب الشعر الاجنبي له ايقاعاته وقصائد النثر فيه ما زالت قليلة. خذ مثلاً اعمال " ريلكه " الشعرية التي ظهرت مترجمة الى العربية باربعة مجلدات، ليس فيها غير اربع قصائد نثر. ولكن المجلدات الاربعة ترجمت كلها نثراً وهكذا...
مهما كانت الاسباب، صارت كتابة الشعر نثراً. وانا في محاولة أُريد ان أُخضع هذه الكتابة – في إشكالها الابرز- الى التحليل العلمي. اقول " الى التحليل العلمي" لأن الدراسات الادبية ما عادت إنشاءً وحماسات. العلم اليوم وراء كل حقول المعرفة والابداع. الادب والتاريخ والفنون واللغة.. الادباء السوفيت قبل اكثر من نصف قرن اسموا الادب " علم الادب " وأُذكّر بكتاب " نظرية الادب " ترجمة د. جميل نصيف، فقد جاء على غلافه " ألفَتْهُ نخبة من العلماء السوفيت" كل بتخصصه: في الشعر، في النقد، في الرواية، في الدراما وفي الملحمة.
لهذا وانا ادرس الايقاع، لم اقتنع بمصطلح " الموسيقى الداخلية ". هذا المصطلح ايهامي، غير ملموس ولا يستطيع احد ان يتفحصه. ما هي الموسيقى الداخلية؟ هل هي جو القصيدة، atomosphere؟ هل هي المزاج او مايسمى بالانكليزية mood ؟ هل هي حركة ايحاءات المعاني او السياقات اللغوية؟ لا احد يحدد لك بالضبط ما هي الموسيقى الداخلية.
ما توصلت له هو ان المضامين القديمة والمخيلة الشعرية القديمة لا يظهر جمالياتها إلا النظم الموزون. كما ان الجديد لا يحتفظ بجماليته الا في الصيغ الجديدة. فنحن لا ننسى ارتباط الشكل بالمضمون وهو من مبادئ المعرفة الادبية.
قبل ان ننتقل الى التطبيق لابد من القول ان موسيقى الشعر ببحوره وأوزانه، مكسب فني تحقق عبر العصور، لكنها صارت اليوم مسألةً أدعى للإعاقة في نظر بعضهم وموضوعة للتجاوز. وهذا الرأي يحتاج الى متابعة علمية متأنية للتثبت من صحته او عدمها. فنحن لا نعتمد قول من يجهل النظم من الشعراء وان كانوا مجيدين في كتابة النثر، لكننا أميل لرأي المتمكنين منه.
وانا، محايداً، ولأني اكتب نثراً وشعراً موزوناً. اردت ان اصل الى حكم صحيح. فارتضيت أبياتاً حاولت نثرها لأرى المعنى في حال النثر والمعنى نفسه في حال الشعر: لكم هذا البيت لأبي تمام وهو من (الكامل).
ليس الحجابُ بُمقصٍ عنك لي أملاً
إن السماء تُرجّى حين تُحتَجَبُ
فلنضع صيغاً نثرية لشطره الأول تعبر عما اراد الشاعر .
1. الحجابُ لا يقصي أملاً لي عنك.
2. ليس الحجاب مقصياً أملي عنك
3. املي لايُقصيه حجاب عنك
4. لا حجاب يقصي عنك أملي.
أي مرهف حسٍ وذائقة، أي بلاغي، يعرف فنون الكلام ومحاسنه وحسن صياغة الجملة واتساق ألفاظها، سيحكم بان الصيغة الشعرية التي جاء بها ابو تمام هي الفضلى وهي الحسنى.
هنالك منحى آخر للكلام: هو اننا اخذنا صيغة الشاعر ونثرناها، ولو ان الشاعر كتب من البدء نثراً لتمتع بحرية تعبير وجاء بسوى هذا النسق وسوى هذه الألفاظ.. وهو اعتراض في مكانه اوافق المعترضَ عليه. ولكن لنحاول صيغاً مبتدَعةً لذاك القول تتضمن المعنى:
1. ليس ما يبعد أملي عنك
2. يجتاز أملي بك كل حجاب
3. لايحول دون أملي بك عارض او مصدّ
4. أملي موصول بك ابدا
5. بحضورك حاضر ابدا أملي.
هذه صيغ مقترحة حافظنا في المثال الأول والثاني على جو المعنى وحدوده وتجاوزناهما في الأمثلة الثلاثة الأخيرة متمتعين بحريتنا في التعبير والتغيير، فاضفنا، وغيّرنا، الفاظاً.
شخصياً، لا أرى من الصيغ الأربع الأولى صيغة أفضل من الصيغة الشعرية التي قال بها ابو تمام:
ليس الحجابُ بُمقصٍ عنك لي أملا
وقد تكون الصياغة الخامسة من امثلتنا النثرية وهي " بحضورك حاضر ابداً املي " ذات فضل وامتياز، وهذا في رأيي، متأتٍّ من انها اقرب للصياغة الشعرية ويمكن تقطيعها:
بحضـورك حـاضر ابـدا أمـلي
بحضو رِكَحا ضرٌأبدا أملي
فَعَلٌ فَعَلٌ مفاعلتنٌ فَعَلٌ
لنأخذ مثالا ثانيا، هذا البيت للمتنبي من (البسيط)
ضمَمْتُه ضمّةً عدنا بها جسداً
فلو رأتنا عيونٌ ماخشيناها
لنُعِدْ كتابته نثراً
1. ضمَمْتهُ حتى عدنا جسداً فلا نخشى العيون
2. ضممتُهُ اليّ فصرنا جسداً واحداً لانخشى أن يرانا احد.
3. حين ضممته اليّ ما عدنا جسدين لنخشى.
4. شخصاً واحداً صيّرنا العناقُ فلاخشية بعد.
5. ضممته إليّ، ما عدنا اثنين لنخشى ...
وسواء اضفنا لفظةً أو غيرنا تظل صياغة المتنبي هي الحسنى وهي الشعر، لكن قد نجد لطفاً في المثال الخامس وهو " ضممتهُ الي، ما عدنا اثنين لنخشى". والسبب انه اقرب للكتابة الشعرية فيمكن تقطيع تلك الصيغة لنرى :
ضممته إليّما عدْ نَثْني نِلنَخْشى
مستفعل مستفعل مفعولن فِعِلاتنٌ
اخلص من تلك الامثلة الى ان الشاعر اذا تمكن من النظم وتيسّرت له الأوزان فسيحظى بجمال صياغة قد تعوز النثر. اما اذا افتقد التمكن منه والمقدرة عليه فسيتوكأ على ألفاظ لاضرورة لها او غير مستساغة لتمشية الوزن وسنجد ما يشوب الصياغة من زائد الألفاظ والحروف. وليس بعد ذلك صعباً ادراكُ الاتقان والسهل الممتنع او الجديد الحسن. فنحن امام فن صنع العبارة التي تأتينا بالشعر ان ضمِنَتْ افقاً شعرياً وعقلاً مثقفاً مبتدعاً.
ولنستشهد الان بمثال اخر من الشعر نثراً. وليكن مثالنا من ابرز الاسماء بهذي الكتابة وهو الاستاذ ادونيس. هذا قوله عن "شهر الحسين" في "ورّاق يبيع الكتب":
للبكاء في كل زاوية منديل اخضر
الصيغ المحتملة:
1. في كل زاوية منديل اخضر للبكاء
2. منديل اخضر للبكاء في كل زاوية
3. في اية زاوية ترى منديلاً اخضر للبكاء
واضح ان الصيغة التي رسمها الشاعر هي الفضلى بين الصيغ الثلاث المفترضة. وقد التزمنا بمفردات الشاعر نفسها في الصياغة الاولى والثانية وغيرّنا واضفنا في الثالثة.
واذا اخضعنا صياغة الشاعر، المثال، الى التقطيع الشعري، فستكون:
للبكاء في كل زاوية منديل اخضر
للبُكا ئفيكُلْ لزاوِ يَتِنْمِنْ ديلُنْ أخضرْ
فاعل فعولٌ فعولُ فعولٌ فعْلٌ فَعْلٌ
هذا يعني اننا بين المتدارك والمتقارب. وهي صيغة شعرية اقرب لانتظام موسيقى الشعر او اوزانه..دخل التفعيلة الثالثة زحاف ( القبض وهو حذف الخامس الساكن فكانت فعولُ)
نعود الى القول مؤكدين على أن مسألة الشعر الاساس هي ليست مسألة وزن وليست مسألة قافية. فنحن يمكن ان نجد الشعر جيداً بغير وزن كما نجده موزوناً ونجده جيداً بغير قافية ونجده مقفى.
ومعلوم ان القافية قد أُقِرَّ من زمنٍ بـ " ثانويتها" فالشبيبي، محمد رضا، رحمه الله يقول:
أبدعتُ نظم الشعر غير مقيَّدِ
بُعداً لشعرٍ بالقوافي يلجم
والزهاوي يجهر بصوت اعلى:
الشعرُ بالمعنى يتمُّ ولفظِهِ
اما القوافي فيهِ فهي زوائدُ
بل هو يؤكد اكثر وبروح المجدّد ويطال حتى الوزن:
الشعر لا وزن ولا قافيةٌ تُلْتَزَمُ
بل هو معنى ثائرٌ قد قيّدتهُ الكَلِمُ
على اية حال هذه من المسائل التي تجاوزها النقد، ونحن الآن انما نتحدث عن موسيقى الشعر. وليس الشعر الجديد ، كما يبدو للعجِلين، هو ان تكتبه شعراً أو نثراً. هو عمل لتغيير الأنظمة الموروثة. لكن أي تساهل او تهاون في اللغة، في اختيار المفردة او في رسم الجملة، يعني لا جدية في كتابة نص مهم. والادب مجموعة نصوص مهمة، لا اكوام كلام. وهذا هو ما تعتمده " الشعرية الجديدة، وما تعنيه بـ " تفجير اللغة " او استكناه ما حجبته في تاريخها وفي حاضرها، الكلمات. ويبدو ان الشعراء الجدد (واعني هنا الحقيقين منهم) اعتمدوا مقولة "فرلين" أمسكِ الفصاحة والو عنقَها..."، لكن قولا غاضباً لا يكفي لأن يكون مسوّغاً لجمالية جديدة، كما انه لا يتم من دون ان يُحدثَ خسارة لمكونات فنية، لقد تجاهلها الشاعر في تطبيقه لذلك الاعلان، الذي لا اراه جاداً وان كان شديداً، متطرّقاً. وما نراه من تباعد الشعري عن الخطابي هو تباعد باتجاه " البلاغي " وتقوم عليه اليوم مؤلفات جديدة تؤسس لعلم " جمال بلاغي " لا يلغي الخطاب ولكن يوظفه في الاتجاه الفني. والبلاغة هذه ليست محصورة في البعد الجمالي بشكل صارم، بل هي تنزع لأن تكون علماً سيتصل بالتداولية. ولابد من ان نتذكر هنا " ان الهدف الاول للبلاغة العلمية ليس انتاج النصوص بل تحليلها!" ان هذا الكلام يحيلنا الى تاريخ الاساليب الفنية الذي هو تاريخ البلاغة والى النصوص التي أُنتجت حسب اصولها. كما يحيلنا الى الفكر الاجتماعي (وهنا تعمل التداولية) في المدَّخر و "المعتَّق" فيها.
ضممته إليّما عدْ نَثْني نِلنَخْشى
مستفعل مستفعل مفعولن فِعِلاتنٌ
اخلص من تلك الامثلة الى ان الشاعر اذا تمكن من النظم وتيسّرت له الأوزان فسيحظى بجمال صياغة قد تعوز النثر. اما اذا افتقد التمكن منه والمقدرة عليه فسيتوكأ على ألفاظ لاضرورة لها او غير مستساغة لتمشية الوزن وسنجد ما يشوب الصياغة من زائد الألفاظ والحروف. وليس بعد ذلك صعباً ادراكُ الاتقان والسهل الممتنع او الجديد الحسن. فنحن امام فن صنع العبارة التي تأتينا بالشعر ان ضمِنَتْ افقاً شعرياً وعقلاً مثقفاً مبتدعاً.
ولنستشهد الان بمثال اخر من الشعر نثراً. وليكن مثالنا من ابرز الاسماء بهذي الكتابة وهو الاستاذ ادونيس. هذا قوله عن "شهر الحسين" في "ورّاق يبيع الكتب":
للبكاء في كل زاوية منديل اخضر
الصيغ المحتملة:
1. في كل زاوية منديل اخضر للبكاء
2. منديل اخضر للبكاء في كل زاوية
3. في اية زاوية ترى منديلاً اخضر للبكاء
واضح ان الصيغة التي رسمها الشاعر هي الفضلى بين الصيغ الثلاث المفترضة. وقد التزمنا بمفردات الشاعر نفسها في الصياغة الاولى والثانية وغيرّنا واضفنا في الثالثة.
واذا اخضعنا صياغة الشاعر، المثال، الى التقطيع الشعري، فستكون:
للبكاء في كل زاوية منديل اخضر
للبُكا ئفيكُلْ لزاوِ يَتِنْمِنْ ديلُنْ أخضرْ
فاعل فعولٌ فعولُ فعولٌ فعْلٌ فَعْلٌ
هذا يعني اننا بين المتدارك والمتقارب. وهي صيغة شعرية اقرب لانتظام موسيقى الشعر او اوزانه..دخل التفعيلة الثالثة زحاف ( القبض وهو حذف الخامس الساكن فكانت فعولُ)
نعود الى القول مؤكدين على أن مسألة الشعر الاساس هي ليست مسألة وزن وليست مسألة قافية. فنحن يمكن ان نجد الشعر جيداً بغير وزن كما نجده موزوناً ونجده جيداً بغير قافية ونجده مقفى.
ومعلوم ان القافية قد أُقِرَّ من زمنٍ بـ " ثانويتها" فالشبيبي، محمد رضا، رحمه الله يقول:
أبدعتُ نظم الشعر غير مقيَّدِ
بُعداً لشعرٍ بالقوافي يلجم
والزهاوي يجهر بصوت اعلى:
الشعرُ بالمعنى يتمُّ ولفظِهِ
اما القوافي فيهِ فهي زوائدُ
بل هو يؤكد اكثر وبروح المجدّد ويطال حتى الوزن:
الشعر لا وزن ولا قافيةٌ تُلْتَزَمُ
بل هو معنى ثائرٌ قد قيّدتهُ الكَلِمُ
على اية حال هذه من المسائل التي تجاوزها النقد، ونحن الآن انما نتحدث عن موسيقى الشعر. وليس الشعر الجديد ، كما يبدو للعجِلين، هو ان تكتبه شعراً أو نثراً. هو عمل لتغيير الأنظمة الموروثة. لكن أي تساهل او تهاون في اللغة، في اختيار المفردة او في رسم الجملة، يعني لا جدية في كتابة نص مهم. والادب مجموعة نصوص مهمة، لا اكوام كلام. وهذا هو ما تعتمده " الشعرية الجديدة، وما تعنيه بـ " تفجير اللغة " او استكناه ما حجبته في تاريخها وفي حاضرها، الكلمات. ويبدو ان الشعراء الجدد (واعني هنا الحقيقين منهم) اعتمدوا مقولة "فرلين" أمسكِ الفصاحة والو عنقَها..."، لكن قولا غاضباً لا يكفي لأن يكون مسوّغاً لجمالية جديدة، كما انه لا يتم من دون ان يُحدثَ خسارة لمكونات فنية، لقد تجاهلها الشاعر في تطبيقه لذلك الاعلان، الذي لا اراه جاداً وان كان شديداً، متطرّقاً. وما نراه من تباعد الشعري عن الخطابي هو تباعد باتجاه " البلاغي " وتقوم عليه اليوم مؤلفات جديدة تؤسس لعلم " جمال بلاغي " لا يلغي الخطاب ولكن يوظفه في الاتجاه الفني. والبلاغة هذه ليست محصورة في البعد الجمالي بشكل صارم، بل هي تنزع لأن تكون علماً سيتصل بالتداولية. ولابد من ان نتذكر هنا " ان الهدف الاول للبلاغة العلمية ليس انتاج النصوص بل تحليلها!" ان هذا الكلام يحيلنا الى تاريخ الاساليب الفنية الذي هو تاريخ البلاغة والى النصوص التي أُنتجت حسب اصولها. كما يحيلنا الى الفكر الاجتماعي (وهنا تعمل التداولية) في المدَّخر و "المعتَّق" فيها.
* مجتزأ من دراسة مطولة القيت في الملتقى
ياسين طه حافظ
شاعر وكاتب من العراق
Do you understand there's a 12 word sentence you can speak to your crush... that will trigger deep emotions of love and impulsive attractiveness for you buried within his heart?
ردحذفThat's because hidden in these 12 words is a "secret signal" that triggers a man's instinct to love, please and guard you with all his heart...
12 Words Will Trigger A Man's Desire Impulse
This instinct is so built-in to a man's brain that it will drive him to try harder than before to do his best at looking after your relationship.
Matter-of-fact, fueling this all-powerful instinct is absolutely essential to having the best ever relationship with your man that the instance you send your man one of these "Secret Signals"...
...You will instantly find him open his mind and heart for you in such a way he's never experienced before and he'll distinguish you as the one and only woman in the universe who has ever truly appealed to him.